دخلت قضية فلسطين في مرحلة جديدة، أو كرت راجعة، على الأصح، إلى مرحلة قديمة. فما هذه بالمرة الأولى التي تؤلف فيها لجنة تحقيق، تبحث وتدرس وتقترح، وقد كان المأمول بعد أن تعددت اللجان، وصارت تقاريرها أكواماً أو تلالا، وصدر الكتاب الأبيض قبيل الحرب. أن لا يعاد فتح الباب على مصراعيه هذا الفتح التام كأنما هي مشكلة طارئة لا عهد لأحد بها ولم يسبق لبريطانيا نظر فيها وتدبر ودرس لها. وإنه لأمر محزن ولا شك أن يتكرر هذا كل بضعة أعوام وإن كان لا جديد هناك سوى أن الصهيونيين ضاعفوا نشاطهم ولجوا في العنف والعدوان وأغرقوا حتى وجب أن يحرموا كل حرمان. فإنه إذا كان هذا مبلغ استخفافهم بدولة قوية المراس شديدة البأس مثل بريطانيا، فمن ذا الذي يستطيع أن يأمن شرهم إذا صارت لهم - لا أذن الله - في فلسطين دولة خالصة لهم؟ أليست الدولة العربية المجاورة لفلسطين على حق جلى في مقاومتها لقيام هذه الدولة الخطرة؟
ويخطئ من يظن أن الصهيونيين تدرجوا في مطالبهم وتوسعوا فيها شيئاً فشيئاً، أو أنهم كانوا يخفون غايتهم في البداية، أو أن أطماعهم تفاقمت على الأيام. فليس مثل هذا الظن بصحيح، وتاريخ مساعيهم ينقضه. ولست أنوي أن أورد هذا التاريخ الطويل فما يتسع له هذا المقام، ولكني أذكر على سبيل التمثيل أن بريطانيا كانت قد عرضت على الصهيونيين في سنة ١٩٠٣ أن تسكنهم أفريقيا الشرقية فأبوا هذا كل الإباء، وروت مترجمة اللورد بلفور - صاحب الوعد المشهور - أنه سأل الدكتور وايزمن (وهو بولندي الأصل) في سنة ١٩٠٥ عن السبب في رفض الصهيونيين أن يرحلوا إلى أفريقية الشرقية، فكان رد الدكتور وايزمن أن سأل بلفور:
(هل تقبل باريس بديلا من لندن؟)
فقال بلفور:(ولكن لندن بلدي؟)
قال وايزمن:(وكذلك القدس!)
وفي سنة ١٩١٥ اقترح الصهيونيون على الحكومة البريطانية أن تعطيهم فلسطين على أن