للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغناء والموسيقى]

وحالهما في مصر والغرب

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

- ٢ -

نسمع اليوم ضجة في مصر بين أنصار القديم وأنصار الحديث؛ فما هو ذلك الذي توهموه القديم وثبتوا عليه؟ وما هو ذلك الذي أحدثوه واعتزوا به!

لمجلس الموسيقى والغناء الجدي عندهم نظام لا يمس ولا يتغير: مقدمة موسيقية، تقطعها تقاسيم بكل معزف لابد منها في نظرهم وإن تشابهت وتكررت منذ دهور؛ ثم ليال ناداها المغنون حتى سوأها فرط التكرار، فموال عامي، فدور أو طقطوقة، أو قصيدة مسيخة في ترتيب ما يختارون من أبياتها، معذبة على ألسنتهم اللحانة، وما أشنع لحانة المغني منتحل الفن والفن الجميل برئ من تشويه الجمال وإن تعمد تصوير الدمامة أحيانا! وجملة ذلك (وصلة) تجمع بين العامي والفصيح حين تضم الموال إلى القصيدة وتجمع بن المتنافرات والأضداد. أما التواشيح العربية القديمة التي أقحموا فيها (أمان) و (يا لا لِّلي) لموازنة ألحانها الحاضرة، فهي في حكم المهمل، إذ قلما يغنون بعضها أو جزءا منها، وقلما يغنيها أجود الأصوات. وأما الغناء في السنما وفي التمثيل، أو فيما يسمونه أوبرا، فهو أغاني مفردة، مبعثرة يصدق في أكثرها ما يقال في غيرها

والأغاني، على الإجمال، موضوعها ثابت ثبات الرواسي، يصور رزيئة عاشق ذليل يومه ناحس، ومهانة داله عليل ناكس، وأنين خائر، وحنين طريد شريد حائر، وسائل حزين بكى، مستغيث ولا مغيث؛ فهو موضوع يصف تحيته مخلوق مجرد من كل حمية، شاذ عن سجية الرجل السليم، كأن العشق مرض مهلك لا تكون فيه هنيهة هناء، أو لحظة بشاشة، أو فينة صفاء؛ وكأن العشق الكئيب لا يغني سواه، وكأن الإنسان لا يطرب إلا من العويل والنحيب مذ عمى هذا الفن الأنكد عما يفعم فؤاده من شتى العواطف والأحاسيس البشرية، وهو موضوع مستهجن مملول زاد سماجته الإمعان في تكراره

وعبارة هذه الأغاني عامية على الأغلب، ونحن نزعم أننا نحارب الأمية والعامية؛ فكأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>