باسم الله تخطو الرسالة إلى عامها العاشر؛ وبغير أسم الله نورِ السموات والأرض لا يهتدي في هذا الظلام الحالك سارِ ولا سائر. والظلام في هذا الكوكب طبيعة أصيلة؛ فأناره الله بالشمس والقمر والدين؛ وأنرناه نحن بالزيت والكهرباء والعلم، حتى أوشك أن ينجاب الحلَك الغاشي عن آفاقه وأخلاقه؛ ولكن سلائل الطين لا تستضيء بصائرهم وسرائرهم بغير الدين؛ فإذا أطفئوه في قلوبهم تنفسوا الظلام فإذا الدنيا ضلال وجهل!. وإذا العالم دمار وهُلْك! وتلك هي الحال التي يكابدها الناس اليوم: ظلام في بلاد الأرض، وظلام في نفوس الناس، وظلام في وجوه المستقبل! فمن يخرج يده لا يكدْ يراها، ومن يتعلق بسبب من أمله انقطع به! ومن ينظر في صفحة الغد عمِّيت عليه! ومن لم يجعل الله له نوراً فما من نور!
الظلام! الظلام! الظلام! ذلك هتاف الأمان ودعاء السلامة في كل أمة من أمم الشرق والغرب اليوم! فليت شعري هل تأله الشر وتحكم الشيطان وصدقت المانوية؟
غشينا ظلام الغرب ولفَّنا ليلة الألْيل؛ فكأنما انطفأت في مشرقنا عين الشمس! وما كان المغرب منذ دحا الله الأرض إلا مبعث ظلمة؛ وما كان المشرق منذ أوقد الله الشمس إلا مطلع نور. فإذا دجت الآفاق واستسرت المعالم كان معنى ذلك أن الشرق قد انكفأ فلم يرسل شمسه ولم يبلغ رسالته!
والحق أن منازل الوحي من الطور والجليل وحِراء قد أصبحت ترسل أمواج النور الإلهية لغير قابل. كان لها من نفوس الأنبياء أجهزة من صنع الله تقبلها وتنشرها وتهدي بها وتدعو إليها؛ فلما خُتمت النبوة وانقطع الوحي ورث الخلفاء والعلماء رسالة الله فكانوا كورّاث الملك أو المال، منهم القاعد المضِيع، ومنهم المجاهد الكاسب. ولو شاء ربك أن يدرك النصرَ أولياؤه، ويطبِّق الأرض دينُه، لجعل الناس أمة واحدة؛ ولكن لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم!
لا تزال منازل الوحي ترسل الأمواج السماوية بالهدى ودين الحق؛ ولكن الله الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء حرم الناس نعمة القبول فاستأسدت فيهم الغرائز، وأسرفت عليهم المطامع، وتفرقت بهم المذاهب، وذاقوا من فساد النظام وطغيان الحكام ما لم يذقه الحيوان الأدنى من القتل والجوع والجور والبؤس والفوضى.
وكان الظن بالأزهر الذي قام للدين، وعاش بالدين، أن يكون لأمواج الوحي الخالد محطة