استقبال وإذاعة؛ ولكنه انقطع عن ركب الحياة فخضع لعوادي الدهر القاهر، خضوع القلعة المحصورة للمغير القادر!
على أن هذه الحرب العالمية هي كما قلنا القيامة الصغرى؛ ومن الحتم أن سيكون بعد القيامة الخَلق الجديد والحياة الفضلى. والواقع في الظن أن الأزهر يمهد لهذا الانبعاث، ويهيئ لهذه الحياة. وما هذه الروح التي دبت في (جماعة كبار العلماء) آخر العام المنصرم إلا نفحاتُ الربيع الأولى يرسلها الفيروز لتُجري الماء في الأعواد، وتوقظ الحياة في البراعم.
لعلك تقول لنفسك: ما بال الرسالة لا تنفك تذكر الأزهر في معرض الإصلاح والنهضة، وما الأزهر في رأي أكثر الناس إلا متحف آثار ومقبرة أفكار وطلل مذاهب؟
وقولي فيما تقول أن الشرق لا ينهض إلا بالدين، وأن الدين لا ينهض إلا بالأزهر. ولست أقصد بالدين هذا الدينَ الذي يعتقده المسلم المعاصر، ولا بالأزهر هذا الأزهر الذي تراه في نظامه الحاضر؛ إنما الدين الذي أعنيه هو دين القرن الأول، والأزهر الذي ابغيه هو أزهر القرن الرابع عشر. أريد الدين النقي القوي الذي فتح الممالك، ومدن الأمم، وكرّم الإنسان، واحترم العقل، وفرض المعرفة؛ أما هذا الدين الذي يقول بعبادة الأولياء، وتمجيد القبور، وتقديس القديم، وإيثار التواكل، ومخادعة الله بالحيل، ومهاواة القادة بالنفاق، فليس دين الله؛ إنما هو دين هؤلاء الأوزاع الأتباع الذين ضلّوا وذلّوا فمزقتهم الأحداث، وأكلتهم المطامع، وأصبحوا نهباً تتقاتل عليه الدول ويعتدل بتقسيمه التوازن.
وأريد الأزهر الجديد الذي يضع لثقافة الشعب أساساً من الدين، يقوي بقوة الله، ويثبت بثبوت الحق، ويدوم بدوام الدنيا؛ ثم يقيم عليه من القواعد والنظم والأوضاع ما يقره العقل ويؤيده العلم، وتقبله العصر، وتقتضيه الحاجة؛ أما هذا الأزهر الذي يَعْلك الكلام، ويجترّ الماضي، ويقتات الفُتات، ويبطل الاجتهاد، ويعطل العقل، فهو مسجد من المساجد الأثرية لا أقل ولا أكثر.
أما بعدن فقد عوّدتك يا قارئي العزيز أن أتحدث إليك في مطلع كل عام عن بلاء الرسالة في الجهاد وعملها في المستقبل؛ وإنك لتعلم أن هذا الظلام الشامل الكثيف الذي ضرب على أبواب الغد حجباً فوق حجب، يجعل مثل هذا الحديث أقرب إلى لغو الكلام وعبث الأماني.