في يوم ٢٥ أكتوبر من سنة ١٩١٣والقلوب واجفة والأبصار زائغة ومصاير الأمور تتوائب للأوهام في صور مبهمة غامضة، تضطرب بين اليأس كله، وبيت الرجاء كله، والناس يتساءلون متهامسين من الخوف ومن الورع: ترى ماذا عسى أن يكون قسم مصر من هذه الحرب العامة، وماذا كتبت لها الأقدار في صفحتي الليل والنهار؟
في ذلك اليوم من تلك الأيام السوداء مات رجل ليس مثله في مصر كثير، رجل إذا أحبه ناس أشد الحب، فلأنه قوة كبيرةً في مصر. وإذا كرهه ناس أشد الكره، فلأنه قوة كبيرة في مصر، فالشيخ علي يوسف، على تفرق الأهواء فيه، كان قوة هائلة في هذه البلاد يحسب الناس جميعاً لها كل حساب
ولقد كنت من الذين أبغضوا علياً أبعد البغض، ثم كنت من الذين يحبونه أغلى الحب، ولا والله ما رأيته في حالي بغضي وحبي له إلا رجلاً عظيماً!
مات الشيخ علي يوسف في ذلك اليوم فما قامت الدنيا لموته كما كان ينبغي أن تقوم، ولا قعدت الدنيا لموته كما ينبغي أن تقعد؛ بل لقد شيع ودفن كما يشيع ويدفن أوساط الناس، وكأن الناس لم يشيعوا فيه مفخرة من مفاخر مصر، ولا أودعوا الضريح كنزاً من كنوزها الثمان!
لا أقول أنه الإهمال السئ، ولكن أقول أنه الظرف السيء، ولكن أقول أنه الظرف السيئ ولا أريد المزيد
والآن تسأل الشباب المثقفين المتعلمين عن الشيخ علي يوسف وكيف كان خطبة في البلاد من إحدى وعشرين سنة فقط؛ فترى أقلهم من لا يعرف عنه كثيراً، وترى أكثرهم م لا يعرف عنه كثيراً ولا قليلاً!
أهكذا، وبهذه السرعة السريعة، تختفي سير الرجال عندنا كما تختفي الصور إذا ساد الظلام، أو كما تختفي أشباح الرؤى ساعة الهبوب من المنام؟
وإنني لأضيف الوزر في هذا أيضاً على الظروف. والحمد لله الذي جعل لنا من هذه (الظروف) تكأة نعتمد عليها كلما غشيتنا غاشية من الإهمال، أو طاف بنا طائف من سيئ