ولقد قلد الشيخ علي منصب مشيخة السجادة الوفائية، فاستحق بهذا أن يسمى السيد علياً؛ وقلده الخليفة العثماني الرتبة الأولى من الصنف الثاني، فأستحق بذاك أن يدعى علي بك أو علي باشا يوسف؛ ولكنني لا أعبر عنه إلا بالشيخ علي يوسف. هذا الاسم الذي طالما رن في الآذان، وتجاوبت به الأصداء من كل مكان: الشيخ علي يوسف! الشيخ علي يوسف! وحسبه بهذا لقباً، بعد ما أعتز بنفسه حسباً، وكرم بالرسول الأعظم نسباً
كان الشيخ علي يوسف رجلاً عصامياً بأوفى معاني الكلمة. نجم في (بلصفورة) من بلاد مديرية جرجا، في أسرة إذا كرم أصلها فقد رقت حالها. ولا تنس أن المال هو كل شئ في هذا الزمان. وتعلم القراءة والكتابة في كتاب القرية، وحفظ القرآن الكريم. ثم انحدر إلى بني عدي من أعمال مديرية أسيوط. فطلب العلم هناك على الشيح حسن الهواري، ثم قدم الأزهر فطلب العلم فيه بضع سنين
وإلى هنا كانت حياة الشيخ علي حياة عادية بحتاً، فلم يزد خطبه على مجاور مغمور في ذلك الخضرم الزاخر بآلاف المجاورين.
وتستشرف نفس الفتى للأدب. والأدب في ذلك الوقت أن تقول شعراً مقفى موزوناً. فإذا أعوزك العروض، وعميت عليك أوزان الشعر، فحسبك أن يكون المصراع في طول المصراع. فإن زاد الكلم ففي تصغير الكتابة وتدقيق الحروف متسع للجميع وعلى شرط أن تتغزل. فتتغزل كلما طلبت مديحاً، وتتغزل كلما أردت رثاءً، وتتغزل كلما ابتغيت هجاء. وكانت هذه، وخاصة في البيئة الأزهرية أهم فنون الشعر إن لم تكن جميع فنون الشعر.
وعلى هذا قرض الشعر المجاور على يوسف فذهب له به بين المجاورين صيت وذكر
ولقد كان الأدب يحمد من المجاور عند أشياخه إلا أن يسرف فيه ويجرد له صدراً كبيراً من وقته، فإنهم كانوا يكرهون ذلك منه، لأنه في الواقع يشغله، بقدر ما، عن توفير الذهن على الدرس والاستذكار ويرون هذا منه آية على (عدم الفتوح) والعياذ بالله! وحسبة في العام قصيدة يمدح بها شيخة يوم يختم الكتاب، وقصيدة أو اثنتين يرثي بهما من يموت من علية العلماء