نشرت الصحف اليومية أن صاحب المعالي محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف (يعنى الآن بدراسة طائفة من المشروعات التي ترمي إلى بعث كتب الأدب العربي القديم، وصوغها في أسلوب عصري يقرب من ذوق الطلاب ومريدي الأدب، وإن الوزارة تفكر في نشر المخطوطات المجهولة التي تتصل بالأدب المصري وفيها فائدة للطلاب)
وإن الوزير الأديب ليصنع خير صنيع إذا وجه وزارة المعارف هذه الوجهة النافعة، ولديها ولا ريب وسائلها الوافية. فالآداب العربية مشحونة بالذخائر النفيسة التي عليها طابع الذهن العربي والحياة المشرقية لا يشركها فيها أدب من آداب الأمم الأخرى بمثل هذه الخصائص أو بمثل هذه الوفرة. وعندنا في الكتب المطبوعة والمخطوطة ثروة من أدب النوادر والفكاهات والأمثال والآراء الموجزة والملاحظات النفسية لا تجتمع في أدب أمة أخرى. وأحسب أن الأجوبة العربية التي اشتهرت بالأجوبة المسكتة لو ترجمت كلها إلى اللغات الأوربية لغطت فيها على شهرة الأجوبة اللا كونية المنسوبة إلى إسبرطة والمأثورة بين الأوربيين بالإيجاز والإفحام والمضاء، وتشبه هذه الأجوبة الأمثال والحكم والمشورات والنوادر التي يسوقونها بغير تعقيب ولا تفسير، ولكنها كبيرة المغزى عظيمة الإيحاء عند التأمل فيها والتدبر في أغراضها. ويقترن بما تقدم كله سير (الشخوص) التاريخية التي ظلمناها بإهمالها واستصغارها، وإن في كلمة من بعض كلماتها، وفي حيلة من بعض حيلها، وفي خطة من بعض خططها، ما يسلكها بين أعظم الشخوص العالمية التي تحيا في سجلات التاريخ بكلمة أو بمشورة أو بخليقة من خلائق السيادة والسياسة
هذه ثروة يسرف من ينبذها وهو في حاجة إليها، ويسهل علينا جدَّا أن نضعها بوفرتها بين أيدي الناشئة المصرية فتغنم منها الفوائد الذهنية وتغنم منها الثقة النفسية في زمن كثر فيه المتحدثون بفضائل الأجناس والفصائل والأعراق
وقد نحصر الأسباب التي تحول بين الناشئة وبين هذه الثروة فإذا هي لا تخرج عن سبب من الأسباب الآتية وهي: