رأيت أن أقدم رواية وردت إلينا عن (عبد الله بن سبأ) هي رواية تعود إلى القرن الثالث للهجرة. وهي أقدم من رواية الطبري، والطبري أول من تعرض (لابن سبأ) في تفصيل واطناب بالنسبة لحوادث الفتنة. وقد تعرض (أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي وهو من رجال القرن الثالث للهجرة ومن رجال الشيعة لعبد الله بن سبأ في معرض كلامه عن فرق الشيعة؛ وهي رواية مهمة لأنها تمثل رأي الشيعة في هذا الرجل، وما قالوه فيه. وأنت إذا ما قرأت ما كتبه النوبختي عن (السبأية) تيقن من أن بعض علماء الكلام قد نقلوا عنه.
قال النوبختي:(السبأية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك. فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله. فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجل يدعوا إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن. وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب عليّ عليه السلام، أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالي علياً عليه السلام؛ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع ابن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة؛ فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في عليّ عليه السلام بمثل ذلك. وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه.
فمن هنا قال المخالفون إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية. ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت! لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل؛ ولا يموت حتى يملك الأرض.
والنوبختي من المعاصرين لابن قتيبة الدينوري صاحب كتاب المعارف (المتوفي سنة ٢٧٦ للهجرة) وللطبري (المتوفي سنة ٣١٠ للهجرة) ولابن عبد ربه (المتوفي سنة ٣٢٨ للهجرة).
ولعالم شيعي آخر ذكر (ابن سبأ) بعبارة تكاد تكون عبارة النوبختي بعينها وهذا الرجل هو (أبو عمر ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي) صاحب كتاب (معرفة أخبار الرجال)