كنت في الحديقة ساعة الأصيل أتفيء شجرة وارفة الضلالمتأملاً سفيرها المتأثر بين قدمي ومن حولي؛ ثم التقطت منه - على غير شعور مني - ورقة صفراء يابسة ففركتها بين إصبعي، وهفت الريح فأطارت ما في يدي مع الغبار، وتركتني أهيم في تفكير طويل!
ولكن. . . لشد ما آلمني تفكيري، وأرهف حسي وشعوري!
لقد تلوت (قصة الحياة) تحت هذه الشجرة وشهدت تمثيلها الخاطف العجول؛ ولقد كانت القصة مأساة بثقت لها عيناي، وكان تمثيلها مؤثراً حرك حزني وأساي. . .
رأيت الحياة - في هذه المأساة - نبتة نزل عليها الغيثفأخرجت شطأهاوهاجت وترعرت، ثم استوت على سوقها وأينعت وأثمرت، ثم علا رأسهافأغصنت وأفرعت، ثم اضحت شجرة فأخصبت وأمرعت، فجنى ثمارها الخاطفون، واستورف ظلالها العابرون.
على أن الرياح - وا أسفاه - استطالت عمر هذه الشجرة فهوت عليها، وحطمت أفنانها، وذرت أوراقها، وأتلفت ثمارها، وأنذرتها فناء قريباً!
ولبثت الشجرة حائرة في مهب الرياح، ترى أوراقها تذوي فلا تملك إلا النواح
تلك فصول هذه (القصة) تلوتها وشهدت تمثيلها تحت هذه الشجرة: فلم أربعد اللعب واللهووالزينة، وبعد البهجة والفرح والمسرة، وبعد التكاثر والتنافس والتفاخر، إلا ضعفاً وعجزاً ومرضاً، وكهولة وشيخوخة وموتاً.
ولم أر أنفسنا إلا أوراقاً على أغصان هذه الشجرة، غير أن هذه الأوراق مختلفة الألوان والأحوال، فمنها الخضراء الناضرة، ومنها الصفراء الشاحبة، ومنها التي أوشكت أن تصوح، ومنها التي تساقط أسفل منا ونحن لا نشعر!
وقلت في نفسي وأنا أستعيد في خيالي فصول هذه القصة: (كما فركت بين إصبعي وأنا لا أبالي تلك الورقة اليابسة المسكينة يفرك الدهر الجبال بين إصبعين من فولاذ أوراقنا الجافة بغير اكتراث.
ومرت بي آنئذ - في لمح البصر - صور عزيزة لا تنسى، وذكريات قريبة لا تمحى،