أما أنا فقد وقفت أيضا بالجسر ولكني أشهد أنه لم يثر في نفسي إلا الأسى وحده، ولقد قطعته غير مرة ذهابا وجيئة، أرسلت الطرف في كل طريق، واسترسلت في التفكير العميق، لعلي أجد شيئا يرفع عن نفسي الحزن، أو يدفع إلى حسي قليلا من السرور، فارتد إلى البصر دامعا وهو حسير
لست أنكر ان الجسر كان يوما مهبط الفخر ومسقط السحر ولكن متى؟
ذلك يوم كانت أسده طليقة من إسار الذل، أما اليوم وهي غريقة في
بحاره فليس يستطيع السائر هناك أن يمسك دمعه أن يهلك لوعة
سيدي: اسمح لي أن أقول إن وقفتي بجسر إسماعيل أعقبتني ندما وألما، وأنها ردتني إلى شيء من الحسرة والحيرة لا حد له، فلقد كنت أسمع في همس موجه، وجرس لجة، طنين تلك الأرواح الهاتفة من الماضي الزاخر بالمجد، وأنين هاتيك الأشباح الطائفة من الشهداء تبكي أسى على استقلال زال، واحتلال ما حال. . .
سيدي، لقد كان لي فيما رأيت من منظر النهر ما أغرقني في فيض من الهم، فأغرقت في تفكير مرير ولم أفق إلا على صوت - البوري - فرفعت رأسي إلى المعسكر الأحمر وتحاملت على نفسي ومضيت دامع العين دامي القلب
واليوم قرأت مقالك فانسابت الذكريات سراعا تباعا فنكأت الجرح بعد أن كاد يندمل، وطاب لي أن أمسح حول هذا الجرح فوجدت في ذلك شيئا من اللذة مصدرها الثقة في الله والأمل في المستقبل، وأنا الآن أكتب إليك هذا في الثالثة صباحا بينما تقرع إذني طرقات متواليات من طبلة (السحور) فتشيع في نفسي ألوانا من الإيمان، وتجعلني أرفع يدي إلى السماء في ضراعة وأهتف: