للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حول مؤتمر الامتيازات]

منطق الواقع

مصر الآن أمام اثنتي عشرة دولة في (مونترو): تزيف الادعاء بالقانون. وتكفكف الغلواء بالحزم، وتكشف المغالطة بالحجة. وتقول للذين ظلموها وظلموا العدل: هأنذي أمامكم وجها لوجه، وعقلا لعقل، ولسانا للسان؛ أخاطبكم بلغاتكم كأنني منكم، وأجادلكم بعلومكم كأنني فيكم؛ فهل تجدونني أقل منكم فقها لفلسفة التشريع، وعلما بمدنية العدل، وفهما لسياسة الحكم؟ هاهم أولاء بعض أبنائي أوفدتهم إليكم يحملون كلمتي ويمثلون إرادتي؛ فهل رأيتم أروع خطابا من النحّاس، وأبرع برهانا من مكرم، وأقطع بيانا من ماهر؟ أليسوا هم حجتي العليا على أنكم تدافعون عن نظام لا يجد مساغاً من طبيعة الناس. ولا مساكاً من منطق الأشياء؟

لماذا تخشون أن يكون أمثال هؤلاء قضاة في ديارهم بين مجرميكم،

وهم يجرون مع أخياركم في عنان، ولا يتخلفون عن أقطابكم في

ميدان؟

لماذا تأبون أن يتساوى الوطني والأجنبي في الحق والواجب وأنتم ترون هذا النهر المبارك يضفي عليكم النعمة، ويميزكم على أبنائه في القسمة؟

ذلك ما تقوله مصر لخصومها (الممتازين) الذين احتشدوا في مونترو يفاوضونها في تنظيم العدوان، ويعارضونها في محو الإهانة. وهذا القول لا عيب فيه إلا اعتماده على الحق الذي زهق في دول أوربا. واستناده إلى المنطق الذي اختنق في كتب الفلاسفة. فلو أنه قيل على أسلوب الزمن الحاضر، وجرى على منهاج المنطق الحديث، لما قابله المكابرون إلا بالتصفيق. والمنطق الحديث منطق الفعل لا منطق القول. وإذا كان مدار المنطق الكلامي على القياس، فإن مدار المنطق العملي على الواقع؛ والواقع في قانون الطبيعة له سلطان الأمر الموجود وقوة الشيء المحكوم به؛ والمفاوضة فيه تختلف عن المفاوضة في النية المكتوبة والفكرة المقترحة.

كان بيننا وبين جيراننا في المزرعة حد جرى عليه الخلاف فلم يتم، فاختلط الحق بالحق

<<  <  ج:
ص:  >  >>