كان من نتائج الحرب العالمية الماضية طغيان موجة الكفر والالحاد، والمذهب الدهري الذي شعار أنصاره:(نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)؛ وزوال فكرة الألوهية من بعض الرءوس الصغيرة والأحلام الضعيفة. ذلك بأن الناس تناحروا وتطاحنوا في الحرب، ثم لما رأوا أهوالها جعلوا يضرعون إلى الله سبحانه وتعالى أن يحقن دماء الباقين منهم وينجيهم من شر المخبأ لهم في عالم الغيب كما يقول شحاذونا. فلما لم يسمع لهم نادوا بالكفر، وطلقوا البقية الباقية في صدورهم من الإيمان، فكان هذا الاستهتار وكانت هذه (الكلبية) التي رانت على القلوب وبلغت أقصاها في روسيا البلشفية
لكن يظهر إن رد الفعل هذا سيعقبه رد فعل آخر من الجهة المقابلة،
ويعيد الناس إلى صوابهم مرة أخرى. ففي كل بلد من بلاد أوربا يقظة
دينية، وفي كل قلب ندامة، وفي كل ضمير شيء من الوخز يبشر
بانتعاش الإيمان من إغماء كان يخشى أن يكون طويل الأمد، وأن
ينتهي بموت الأبد، وبيقظته من سبات كان يخشى أن يكون دائماً، وأن
يليه مرض خبيث كمرض النوم لا يخلّص صاحبه منه إلا الموت
لكن أغرب من هذا كله أن يقوم من يقول لنا إن أعظم حوادث القرن العشرين فقد الناس إيمانهم بالعلم بعد عودة إيمانهم بالدين، وكما أن العلم هد أركان الدين في بعض البلدان وفي خلال القرن الماضي، كذلك نرى الأديان الآن تنتقم من العلم بتقويض أركانه، والبناء على أطلاله. فقد أعطانا العلم الحرب العالمية بفظائعها وأهوالها، فضربت أركان الديانة ضربة شديدة، ولكنها ضربت العلم ضربة أشد منها
قال أحد الكتاب: لما أعلن اينشتين مذهب النسبية الذي قلب به مذهب نيوتن، قلت في نفسي ومن يدرينا متى يقوم مذهب من نوع سوبر اينشتين يقضي على مذهب اينشتين؟
ظهر بالأمس كتاب جديد عنوانه (هذا التقدم - مأساة مذهب النشوء) أي مذهب داروين الذي ينكر الخلق الفجائي، ويقول إن أنوْاع الحيوان والنبات حتى الإنسان متسلسل بعضها