محاسب العامل (بالقطعة)، فبتجاوز هذا طاقته في سبيل كسب
مضاعف يدفع ثمنه من صحته وشبابه:
مؤامرة يدبرها الفقر، والجهل. . . على حساب الصحة
العامة. . . فليسمع المسئولون).
ذلك الجهاز الآدمي الذي يدور بقوة الحاجة مجهوداً مكدوداً يوشك أن يعطب حتى يزيته الفقر وتسوطه الحاجة. . . فينكفئ على رماد الشباب، وينطوي على أجر الصحة، وينبسط على ثمن الرغيف.
في هذا البلد نماذج كثيرة لهذه الأجهزة الآدمية. . . نماذج حية لا تؤجر على العمل، ولكن تحاسب على (الإنتاج). سخرها الفقر، وتافه الأجر، وفساد التدبير، وعقم التفكير. . . حتى أصبح العامل آلة مسحورة مسخرة في هدم شبابه من وجه الأصبوحة إلى فحمة الليل. . . فإذا أحسن الوهن دافعه بالمنهبات، وأسكته بالدوافع التي تصرخ في جوفه وبيته وولده، ويستجيب سبابه لإرادته، حتى يأتي اليوم الذي يسقط فيه البطل الفريس، فيستنجد إرادته، ويستعدي صحته. . . فتخذله الصحة، ويسلمه الشباب، ويذوي المسكين، وينكر من أمره ذلك الفتور، ولكنه يخدع نفسه، ويتحامل عليها، ويتعلل، ويتعايا. . . وهو ماض في عمله، يسرف في صبابة من الحرارة بقيت في جسمه المنهوك، ويعاني لدغات الشك، وتطارده أشباح الرعب والحرمان!
ويذهب ما بقي من هذا العامل إلى الطبيب، فيطلب إليه هذا ألا يجهد نفسه!
لا يجهد نفسه؟!
يا إلهي: كذا يقال للعامل المصدور، كأنما بيده أن يستريح وأن يجهد، وكأنه يستطيع أن يكبت صراخ الجوع الذي تصطك به أمعاه عياله!