عاد إلى مصر من أوربا معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، بعد الرحلة الثقافية التي مر فيها بروما وباريس وفلورنسا، وفي كل من هذه البلاد كان سفيراً أدبياً لمصر، أدى لها خدمات عملية ورفع رأسها في المحيط الثقافي الخارجي، وليس كل ما أداه في هذا العام جديد، فقد اعتاد كل صيف أن يرحل إلى البلاد الأوربية رحلات، ليست كلها استمتاعاً وتفريج عناء، فهو لا يخلص من مراد نفسه الكبيرة أينما توجه، والجديد في هذا العام هو الأعراض الرسمية التي كان أظهرها رياسته لوفد مصر في مؤتمر اليونسكو بفلورنسا، وقد اعتدنا منذ أنشئت اليونسكو، أن نكون جزءاً من مؤتمراتها، نصنع فيها ما يصنع سائر الأعضاء، يتحدث ممثلونا كما يتحدث ممثلو سائر اليلاد، تكتب بيانات وتلقي خطب وتوزع منشورات ثم يسدل الستار على المؤتمر المنقضي ويظل مسدولاً حتى يرفع من الممثلين في المؤتمر التالي، ولكنا في هذا العام كان ممثلنا طه حسين، الذي سخر من بعض أمر اليونسكو، وحاول أن يرد هذه الهيئة إلى أغراضها وما يليق بها، فنفي النعاس والتثاؤب عن الأعضاء، ولم يغادر مكانه في جنبات المؤتمر، الذي لا يزال منعقداً، أصداء من أحلام الإنسانية وأمانيها في مستقبل ثقافي تهيأ فيه سبل المعرفة لجميع الناس، وتتقارب فيه أفكار الجميع، وهي - كما قال الدكتور - صدور أمر يرجى تمامها، كما يرجى أن يبعث الأمل في تمام عواقبه يوماً من الأيام.
والجديد أيضاً في رحلة هذا العام أنها كانت قصيرة، أعجلته فيها الرسميات وما ينتظره هنا من الجلائل عن أن يأخذ لنفسه قسطاً من المتعة، ولكنه على رغم هذا القصر ومع هذا الحرمان قام بسفارته الأدبية قياماً عرفته مصر فابتسم له ثغرها (الإسكندرية) إذ تلقته الجموع هناك من رجال التعليم وغيرهم بما هو أهله من الحفاوة وروعة الاستقبال.
لقد كان طه حسين عنواناً لمصر في أوربا أمام ممثلي العالم، فكان خير دعاية لها، وكان بشخصيته مصداق قوله في المؤتمر: إن مصر قد سبقت إلى تحقيق الآمال الثقافية التي يسعى إليها الناس في هذا العصر، فهي تحقق الصلة بين الشرق والغرب وهي تأخذ من