[مرأى الجمال وذكرى الجلال]
للأستاذ عبد الرحمن شكري
مقدمة:
لمناظر الطبيعة الرائعة الجلية لذة في النفوس مثل مناظر الجبال الشاهقة والهاويات العميقة والأعاصير وأثرها والبحار وأمواجها، وهي تبعث اللذة في النفس حتى في مخاوفها إذا لم تتملك مخاوف مناظرها النفس بالذعر والرعب، وقد ينقلب الحنين المقهور في النفس إلى الجمال فيصير ولوعاً بمناظر الجلال والروعة، كما أن مناظر الجلال والروعة قد تشحذ الحنين إلى الجمال وتذكر المرء به، وقد تطغى كل من العاطفتين على الأخرى ولهما أيضاً صلات أخرى غير ما ذكرنا. ومن مسرات التفكير والفنون أن يتتبع الإنسان صلات العاطفتين في نفسه وهذه القصيدة من قبيل هذا التتبع
(الناظم)
ذكرتك في البحار الزاخرات ... وفي مجرى السفين الجاريات
كأن البحر حي ذو جنان ... وموج اليم نبض النابضات
وفي ذاك الجلال بلاغ راءٍ ... وروع للنفوس الواعيات
ولكني ذكرتك يا حبيبي ... كما حن المريض إلى الحياة
كما حن الهزار إلى ربيع ... وأفنان الرياض على الأضاة
وكم غلب الجمال على جلال ... كما غلب الرقاد على التفات
ذكرتك والقبور ترد طرفي ... وتسخر من هيام بالشيات
وتخبرني بأن الحب فانٍ ... وأن العيش صنو للممات
ولكني ذكرتك يا حبيبي ... وذاك الذكر خير الذكريات
ذكرتك والسقام يبيد لبي ... ويسْلي النفس ماضٍ وآت
ويلهي النفس عن حب وشعر ... وعن سحر العيون الساحرات
ولكني ذكرتك يا حبيبي ... كذكري للسنين المقبلات
ذكرتك في الطلول الدارسات ... وآثار العصور الغابرات
أرى الأهرام كالأعلام تزهو ... على عبث الصروف المهلكات