الجد ضد الهزل والعبث، ولكنه ليس بضد للفكاهة وملكة السخرية، بل لعله يثيرهما في النفس ويدعو إليهما
فأنت تستغرب استغراب الإنكار والازدراء إذا رأيت رجلاً يهزل ويعبث وهو يواجه الشدة ويقف في الموقف الذي يتطلب العمل والجهد والهمة، ولكنك لا تستغرب هذا الاستغراب إذا رأيته يواجه الشدائد وهو يستخف بها ويتخذ منها موضعاً للفكاهة والسخرية، بل تحمد منه هذه الفكاهة وتعدها ضرباً من القوة والشجاعة، لأن العبث بالجد يفسده ويضعف النفس عن احتماله؛ أما الفكاهة مع الجد فهي معوان عليه
ولا شك في أن سليقة الفكاهة مصرف للنفس الإنسانية وعصمة لها وحافز على النهوض بما يثقل عليها من أوقارها
ولهذا تروج النكات و (القفشات) في إبان الحروب والمصاعب. وتعد (النكتة) امتحاناً لطبائع الأمم وعقولها في هذه الأحوال، فلا تجفل من الخطب أمة تستطيع أن تواجهه وهي باسمة، ولا تبتسم الأمة للخطب إلا وعندها قدرة على النهوض به والتصرف فيه
وسننقل في هذا المقال بعض الفكاهات التي أسفرت عنها الحرب الحاضرة، ثم نعقب عليها بعض التعقيب الذي يخلق بطائفة من المصريين أن يلتفتوا إليه
تحدث الألمان والروس كثيراً بالحرب الخاطفة أو بضربة البرق العاجلة كما يسمونها بها اكتساب النصر في معركة حاسمة سريعة
فزعم الراوية أن إنجليزياً يسال صاحبه ما هي الضربة الخاطفة؟
فيجيبه الصاحب: إنها هي الضربة التي لا تقع مرتين في مكان واحد
فيصمت السائل قليلاً ثم يقول مصححاً!!. . . يخيل إلى يا صاح أنها شيء أسرع من ذلك: يخيل إلي أنها هي الضربة التي لا تقع مرة واحدة في مكان واحد!
والمعروف عن مولوتوف الوزير الروسي أنه تمتمام يتلعثم في كلامه. فذكره أحد السامعين له في المذياع لصديقه وهو يقول: أليس بعجيب أن يتكلم هذا التمتمام أمس ربع ساعة ولا يتلعثم مرة واحدة؟