للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الطريق إلى قرطبة]

للأستاذ محمود تيمور

(عندما استتب الأمر لأبي العباس السفاح أول الخلفاء

العباسيين هرب الأمير عبد الرحمن الأموي من العراق

ووجهته الأندلس ليتسم عرش الأمارة فيها بمعاونة أنصاره

الأمويين. فبينما كان في شمال أفريقيا وقعت له هذه الحادثة

التي نرويها)

كان القمر ينشر نوره الفضي على قرية (مغيلة) في مراكش، فتبدو الدور على ضوئه الهادئ كأنها تتمطى مبتسمة رافعة هاماتها إلى السماء تنفض عنها فتور النوم. في تلك الساعة التي بدأت فيها القرية تتنفس كان يسير في طريق من طرقاتها المهجورة رجل طويل القامة نحيف الجسم ملتف بعباءة دكناء ووجهه ملثم. كان يسير سيراً حثيثاً في مشيه حذرة، متجنباً الأماكن التي انجلت عنها غبشة الليل، تدل مظاهره التي يجتهد في إخفائها على الأمارة والجاه. ولما دنا من دار (وانسوس) رئيس أقوى قبائل البربر في تلك الجهة توقف عن المسير والتفت حوله ثم دفع الباب في سكون ودخل، ثم أحكم إغلاقه خلفه، وما إن خطا بضع خطوات، حتى تقدم إليه (وانسوس) في خضوع وقال في صوت خافت:

- مولاي الأمير

- كدت أضل الطريق

وبدأ الزائر يرفع لثامه ويحل عباءته، فظهر عارضاه الخفيفان وبانت ضفيرتاه على ظهره، وسار بخطوات رزينة وخلفه (وانسوس)؛ وقال:

- هل أحضر (بدر) الجواهر؟

- أحضرها يا مولاي وهي وديعة عندي لا تستطيع أن تمتد إليها يد إنسان

- وماذا قال لك؟

- إن أختك (أم الإصبع) تقرئك السلام وتقول لك إنها سترسل لك غيرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>