ولكنني لم أنس قط أنني ولدت، ولم أشعر قط بحاجة إلى تذكير؛ فهذه الحادثة التي لا تتكرر، وتقادم العهد بها وتعاقبت الأيام والسنون عليها، ولا يلوح لي أنني نسيتها أو أستطيع نسيانها
فما حاجتها إلى تذكار؟ وما حاجتها إلى احتفال؟ ومالي وقد أغفلتها سنين وسنين أبتدئ اليوم بإحيائها، وأحصيها ولات حين إحصائها؟
إنها العدوى
ولأعياد الميلاد عدواها كحوادث الميلاد. ألا يقول المعري في النسل والولادة:
تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد ... بعدوى فما أعدتني الثوَباء؟
بلى. ولكنني أنا عُديت بعد طول التعرض والممانعة، فاحتفلت بعد الخمسين بأول ذكرى، واستغنيت عن إعادة الدرس خمسين مرة لأحفظه كما يحفظه المحتفلون به بعد طول التكرار
كنت أدعى إلى عيد ميلاد بعد ميلاد
وأكثر ما دعيت إلى أعياد الأبناء الذين يخمسون سنواتهم أو يسدسونها أو يسبعونها أو لا يزالون فيها بين التثنية والتثليث
درس جديد لهم العذر أن يثبتوه في الواعية وأن يستذكروه ويراجعوه. . . ولكني رأيتهم يكبرونني ويتقدمونني في هذا المجال لأنني أبتدئ الآن وقد سبقوني مرتين أو ثلاثاً أو أربع مرات. فأنا أسأل حيث لا يسألون، وأراجع حيث لا يراجعون، وأستخرج من الأضابير تذكرة جديدة هي عندهم أقدم ما يملكون!
في أي يوم ولدت!
لم أكن أدري؛ لأنني أذكر السنة على التحقيق، وأذكر الشهر على الترجيح؛ ولكنني لا أذكر اليوم بعد أن قرأته آخر مرة في وثيقة الاستخدام، ثم تركت الوثيقة وتركت الخدمة، ووددت لو محوتها من عداد الذكريات