فأنا اليوم في موقف من يكتب له شهادة جديدة بالميلاد، وكأنني بهذه المثابة على عتبة الحياة
خير إن كانت الحياة خيراً. . .
وليس بشر إن كنا غارقين من الحياة في شرور
ونويت أن أسأل في أول فرصة للسؤال، ولكن في غير اكتراث ولا استعجال، فقصاراه أنه شئ في البال، ولقد تمضي عليه الأعوام وهو في مكانه من البال!
وسنحت الفرصة على غير ما اشتهيت، لأنها اقترنت بتشييع أخ إلى مثواه الأخير، في موطني الذي درجت فيه خطواتي الأولى
وعند موقف الموت يسأل الإنسان عن موقفه من الحياة
فسألت، وعلمت، وطلبت المزيد من العلم، فظفرت بالعلم اليقين من أضابير المحفوظات
بل ظفرت في حياة واحدة بشهادتين للميلاد!
وكانت نوبة من نوبات الذكريات التي تساق إلينا على غير اختيار منا، فكثيراً ما ذهبت إلى أسوان دون أن تعرض لي دواعي الإياب إلى معاهد الطفولة، وتآلف الشباب. أما في هذه المرة فندر معهد من تلك المعاهد لم أقف ساعة عليه، ولم تجذبني داعية من الدواعي إليه
ومنها المدرسة التي قضيت بها ما بين التاسعة إلى الثالثة عشرة، ولا تزال في جملتها على حالها المعهود
ذهبت إليها وأنا أحسبني في الطريق ذاهباً إلى دار كسائر الدور، ولا أخالني سأهجم فيها على لجة من أعمق اللجج النفسية، ومفاجأة من أعنف مفاجآت الشعور
حتى وقفت عند الباب، ونظرت إلى البواب
فإذا هو البواب الذي كان يستقبلنا هنالك قبل أربعين سنة في ساعة الحضور
هو بعينه بوابنا الأول لم يتغير منه إلا قليل في صورته ومعناه، وإلا النظرة التي كان يعرفنا بها لأول وهلة، وهي الآن لا تعرفنا إلا بعد تثبت واستغراب
قال: من هذا؟ فلان؟ لقد شبت كثيراً يا بني!
وفي لمحة عين لا تتسع لقلب صفحه من كتاب، تنقلب في أعماق النفس صفحات من العمر تضيق بها أسفار كبار