للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - عمرو بن العاص]

بقلم حسين مؤنس

ثم انظر كيف فهم الرسول صلى الله عليه وسلم نفس عمرو: لقد قال: (أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص) لقد أسلم الناس حباً في الإسلام وقد دفعتهم عواطفهم وهدتهم طبائعهم، أما عمرو فقد حسب لأمر حسابه، ووزن ربحه وخسارته، حتى إذا اطمأن فقد آمن. وقد أقبل واثقاً. . هكذا أصاب الرسول الكريم في فهم الرجل الجليل. وأن الرسول ليعرف أن عمراً كان تاجراً داهية ومساوماً ماهراً. . . وأنه قد بذل الثمن وينتظر الربح، فهو لا يضن عليه بما يريد فيؤمره على سرية ذات السلاسل، ويؤمره على المدد الذي أرسله إليه وفيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ونفر من الأنصار والمهاجرين. . . إن الرسول ليعرف أن هؤلاء كلهم لا ينظرون إلى ولاية أو إمارة. . . لأنهم لا يلقون جزاءهم عن الأيمان إلا عند الله. . . أما عمرو فيجادل أبا عبيدة على الإمارة. . . ويقول له: (إنما قدمت على مدد، وأنا الأمير ولا أمارة لك. . .) فينزل له أبو عبيدة عن الأمارة وكفاه شرف الجهاد. . . ثم انظر كيف يفهم أبو بكر نفس عمرو. . . إنه ليفرده بفتح فلسطين. . . إنه ينقده ثمن ما سيبذل من جهد في الفتح ومهارة في القتال. . . ولو قد طلب إليه أن يكون مكان يزيد بن أبي سفيان مثلاً على جيش دمشق. . . لربما كره عمر. . . وربما لم يبد من المهارة ما أبدى في أجنادين، ولكنه خليفة رسول الله، كان يعرف عمراً خير المعرفة. . . فنزل له عما يريد. ولم يقصر الفاروق في هذا فتركه حراً في فلسطين، لم يعزله كما عزل خالداً. . . وكان عمر يعرف كذلك أن عمراً مغامر. . . وأي تاجر لا يغامر؟ وأي رجال المال لا يرتاح إلى المضاربة والمغامرة والتعرض للغنم العظيم أو الغرم الذي يقصم الظهر. . . ولكنه كان يعرف فيه حذق المضاربة. . . وأنه لا ينزل السوق إلا كاسباً، ولهذا. . . أقره على فتح مصر ولم يفرغ بعد من فتح الشام. . . وكان عمرو في ذلك مساوماً ماهراً ومقنعاً ذا حجة ودهاء. . . فلم تثبت اعتراضات عمر الثبت الحصيف الدقيق الذي يضن بمسلم واحد على أن يجازف به وإنما اقتنع سريعاً. . . كان عمرو ماهراً لسناً بارعاً حين خلا بابن الخطاب وهما عائدان من فتح فلسطين. . . وكان أمهر حين انساب في جنح الليل يسعى إلى مصر سعياً. . . لقد خشي أن يعود أمير المؤمنين فيقبض يده. . . وقد خشي أن يراجع عمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>