للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من دروس الحرب]

بين اللاتينية والجرمانية

كان بعض المولعين بتصنيف الناس من علماء الأجناس يقولون أن الله اصطفى الآريين على الساميين بمواهب العقل الأصيل فآتاهم الحكمة؛ ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي العلم والحكم وهيئ فطرته لملك الأرض وتمدين العالم. واستغل المستعمرون هذه الفكرة فسرقوا بها ملك العرب، ونسوا أن العرب، وهم ساميون، كانوا خلفاء الله وورّاث المعرفة في الدنيا؛ واستغلها النازيون آخر الأمر فسرقوا بها مال اليهود، ونسوا أن اليهود، وهم ساميون، كانوا الرأس الخلاق واليد المصرفة في ألمانيا.

ولعل هؤلاء المصنفين لخلق الله يشغلون بالهم اليوم بما يتجلى من الفروق بين اللاتينية والجرمانية وهما شعبتان من الآرية، ليعلموا أن من عوامل البيئة والتربية وطريقة العيش ما لا يقل أثراً في اختلاف العقل وتغير الخُلق عن عوامل الجنس والوراثة. ولئن كان في فكرة الآرية والسامية أكثرُ الكذب الذي يسنده الغرض؛ فإن في فكرة اللاتينية والجرمانية أكثر الصدق الذي يؤيده الواقع. وإذا كان الغربيون قد انتفعوا بفكرتهم في أن يسودوا، فإنا حريون أن ننتفع بفكرتنا في أن نتحرر.

لأمر ما تنهار اللاتينية وتتماسك الجرمانية وقد مسهما من هذه الحرب الطحون عذاب لا يختلف!

هنا الديمقراطية الوادعة تتمثل في دولة جرمانية هي إنجلترا، ودولة لاتينية هي فرنسا؛ وهناك الدكتاتورية الباغية تتمثل في دولة من الدول الجرمانية هي ألمانيا، ودولة من الدول اللاتينية هي إيطاليا؛ فما هو إلا أن امتحنت الحرب بنارها معدن الفريقين حتى ذابت فرنسا هنا وتفككت إيطاليا هناك، وظلت الأمتان الجرمانيتان ثابتتين، تتصارعان بعبقريات الذهن، ومبتكرات العلم، ومهلكات المادة، والعالم كله يشهد هذا الصراع العنيف المخيف وهو من هوله الهائل لا يتقارُّ ولا يتمالك. وسيكون النصر ولا ريب للفريق الذي يحالفه الحق والصدق والصبر؛ ويومئذ تنقسم الجرمانية كذلك إلى سكسونية تعتمد على قوة الخُلق، وتوتونية تعتمد على سعة الحيلة.

ليت شعري من أين أُتِيت اللاتينية حتى انخرعت فما تقوم، وانماعت فما تتماسك؟ لم تُؤت

<<  <  ج:
ص:  >  >>