في العام الثالث بعد الستمائة من الميلاد، وذلكم قبل بعثة الرسول بست سنين، اشتعلت الحرب بين الروم والفرس. وهي حلقة من سلسة طويلة من الحروب بدئت منذ ظهر الرومان في غرب آسيا، واستمرت بين الرومان والأشكانيين، ثم ورثها الساسانيون والبيزنطيون حتى شغلت من التاريخ سبعة قرون بين الاشتعال والخمود، وهذه الحلقات الأخيرة التي سبقت البعثة واستمرت بعد الهجرة سبع سنين قد اهتم بها العرب ونزلت فيها آية من القرآن:(غُلبت الرومُ في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيَغلبون، في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم). انتصر الفرس في عهد كسرى برويز على الروم زهاء عشين سنة متوالية فسلبوهم كل ما ملكو في آسيا، وفتحوا بيت المقدس وأخذوا الصليب الكبير، ثم غلبوهم على مصر. وظهرت جيوش الفرس على أبواب القسطنطينية مرات. وظن الناس أن الروم لا تقوم لهم قائمة
ثم أجمع الروم أمرهم، وقادهم هرقل من ظفر إلى ظفر خمس سنين أتت على كل ما ناله الفرس في الحروب المتمادية. وخلع كسرى برويز بعد أن أخرجته الهزائم من دار ملكه ومات ذليلاً حزيناً، وخلفه ابنه قباد الثاني فصالح هرقل على أن يرد على الروم كل ما سلبوه في آسيا ومصر وأن يرد الصليب المقدس. وسار هرقل في أعظم مواكبه إلى بيت المقدس ليضع الصليب موضعه في ديسمبر سنة ٦٢٩ م. وبلغ هرقل من العزة والهيبة والصيت ما بلغ
- ٢ -
في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة بعد غزوة خيبر بشهرين وجه رسول الله، ثلاثة آلاف من أصحابه إلى الشام، وجعل القيادة لزيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي