للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة. وكان هذا إيذاناً ببعد الشقة، وجسامة المطلب، وعظيم الخطر

لماذا سير الرسول صلوات الله عليه جيشاً لحرب الروم في أرض بعيدة؟ يقول المؤرخون أن الغسانيين قتلوا رسوله إلى أمير بصرى؛ ولكن أحسب الأمر أوسع من هذا فقد أراد المسلمون أن يرهبوا الطامعين موقف القبائل العربية الضاربة في سلطان الروم من المسلمون: أحرب هم أم سلم.

سار المسلمون إلى معان فإذا هرقل الذي حالفه الظفر خمس سنين حتى رد إلى سلطان الروم ما أخذه الفرس وزلزل سلطان كسرى في ديار كسرى - قد جمع في مآب جموعاً حاشدة من الروم والعرب - وتشاور المسلمون وهموا بأن يكتبوا إلى الرسول ولكن ابن رواحة قال: (يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له؛ خرجتم تطلبون الشهادة؛ وما نقاتل الناس بعدد، ولا قوة، ولا كثرة. ما نقاتلهم الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة).

التقى الجمعان عند مؤتة وهي قرية في البلقاء التي تسمى اليوم شرق الأردن، إلى الشرق من الطرف الجنوبي للبحر الميت.

واستعرت الحرب وقاتل زيد بالراية حتى قتل، وتقدم جعفر للشهادة فقاتل حتى نالها. وتلاه ابن رواحة فقتل. فاجتمع الناس على القائد المحنك المظفر خالد بن الوليد فقاتل كما يقاتل خالد حتى تراجع بالجيش الصغير فأنقذه من الجموع المطبقة عليه فعل القائد الحازم لا يهلك جيشه في معركة خاسرة.

ثم شغل المسلمون بفتح مكة وما تلاه من الأحداث. وبعد سنة من موقعة مؤتة دعا الرسول إلى غزو الروم (في زمن عسرة من الحر، وجدب من البلاء) زمن تدعو فيه إلى الحرب إلى ضرورة لا مناص منها. وعلم الناس أنهم يدعون لغزو الروم، غزو بني الأصفر وهم يعلمون من سلطانهم وقوتهم وانتصارهم على الفرس ما يملؤهم هيبة. حتى قال بعض المنافقين: (أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؛ والله لكأني غداً مقربين في الحبال)

سار الجيش إلى تبوك، وكانت على حدود البلاد الخاضعة لسلطان الروم في الشمال؛ فأقام بضع عشرة ليلة وصالح الرسول صلوات الله عليه أهل دومة الجندل وأيلي وجربار

<<  <  ج:
ص:  >  >>