إجابة لدعوة من الحكومة السوفيتية تسافر في هذا الأسبوع بعثتان ثقافيتان إلى روسيا، أحدهما من سوريا، والأخرى من لبنان، وسيقوم أعضاء هاتين البعثتين بزيارة أنحاء الاتحاد السوفيتي للوقوف على مظاهر النشاط الثقافي والعلمي هناك
هذا هو النبأ الذي أذاعته وكالات الأنباء البرقية، وهو نبأ يدل دلالة واضحة على ما تتجه إليه روسيا اتجاها جدياً واسع النطاق في الدعاية لثقافتها في الشرق العربي، ووصل عناصر هذه الثقافة واتجاهاتها بتفكير أبناء العروبة واتجاهاتهم العلمية والأدبية.
وإنها في الواقع لفرصة تنتهزها روسيا في الآونة الحاضرة، فقد مضت أحقاب طويلة والثقافة الروسية معزولة عن الشرق العربي بسد حصين أقامته السياسة والأوضاع الدولية، ففي القديم كانت روسيا هي العدو اللدود لتركيا، ولما كانت تركيا هي المسيطرة على الشرقي العربي يومذاك فقد كان أبناء هذا الشرق ينظرون إلى روسيا نظرة بغض وشحنا، فلم تستطع الثقافة الروسية من خلال هذا أن تنفذ إلى نفوسهم وتفكيرهم، وحاولت روسيا أن تتلافى هذا وأن تجد له الأسباب والوسائل فأنشأت فرعا للاستشراق والدراسات العربية والإسلامية بجامعة (بطرسبرج)، واستقدمت من الشرق العربي الأساتذة لتدريس العلوم العربية، وكان من هؤلاء الأساتذة الشيخ النشرتي والشيخ محمد عياد الطنطاوي من مصر، والسيد سليم نوفل من لبنان، ولكن هذا العمل كله كان ضعيف الأثر، ولم يعن أبناء الشرق بشيء من مآثر الثقافة الروسية واتجاهاتها إلا بما كان من مآثر الفيلسوف الروسي المشهور (تولستوي) لأنه جنح إلى حياة صوفية تلائم الروح الشرقية، ولأنه كتب كتابة طيبة عن النبي محمد صلوات الله عليه حمدها أبناء الشرق.
وبعد الحرب العالمية الأولى وقع الشرق العربي جميعه تحت سيطرة الإنجليز والفرنسيين، ونظراً للفكرة الشيوعية التي تمخضت عنها الثورة الروسية فقد قام هؤلاء بتحصين الشرق العربي تحصينا منيعاً أمام الثقافة الروسية وكل اتجاه روسي، ولم يكن يصل إلى الأقطار العربية من عناصر الثقافة الروسية إلا بضع قصص كانت تأتي عن طريق البريد الإنجليزي والفرنسي مؤداة باللغة الإنجليزية والفرنسية.