ولما قامت الحرب العالمية الأخيرة، وقضت تطوراتها بانضمام روسيا إلى الحلفاء، وجدت روسيا الفرصة السانحة للاتصال بالشرق العربي عن قرب؛ فتبادلت التمثيل السياسي مع دولة، وغمر طوفان الدعاية الروسية بلاده، وكان أن ظهرت في اللغة العربية ألوان كثيرة من الثقافة الروسية في شتى نواحي العلم والأدب والفن، وتعتبر سوريا ولبنان أفسح مجال لهذا النشاط اليوم.
فإذا كانت روسيا اليوم تستقدم البعوث من أبناء الشرق العربي للوقوف على مظاهر النشاط الثقافي في بلادها، وإذا كانت هي ترسل البعوث الثقافية من جانبها لارتياد الشرق، فذلك لأنها تريد أن تستغل الفرصة على أوسع مدى في إيجاد تيار للثقافة الروسية بالشرق العربي إلى جانب تيارات الثقافات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية، وكل ما نرجو للشرق العربي أن يجد شخصية وذاتية في مهب هذه التيارات العنيفة.
الأدب العربي في القرن العشرين:
هذا عنوان كتاب أخرجه حديثاً المستشرق الروسي الشهير (يوليفتش كراتشكوفسكي) تناول فيه بالبحث والتحليل التيارات الأدبية في العالم العربي ومؤلفات الكتاب العرب البارزين، وعقد فصلا خاصاً للحديث عن الأدباء المصريين الذين أمتد تأثيرهم إلى العراق وسوريا والأقطار العربية المختلفة، وختم الكتاب بفصل مطول عن المؤلفات التي ظهرت لكتاب العرب في مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، كما تحدث في هذا الفصل عن قصائد الشعراء العرب في الموضوعات الحربية وما نظم منها خاصة في تمجيد بطولة (ستالينجراد).
و (كراتشكوفسكي) وثيق الصلة بالشرق العربي من قديم، وله صداقات كثيرة بعلماء العربية ورجال الأدب العربي، فقد قام برحلة طويلة إلى الأقطار العربية في عام ١٩٠٨، فزار مكتباتها وتعرف برجالها، ونسخ كثيراً من المخطوطات النادرة، وهو الآن عضو في المجمع العلمي العربي بدمشق.
وقد نشر (كراتشكوفسكي) كثيراً من الآثار العربية النادرة بعد أن قام بتصحيحها واستكمالها، وفي عام ١٩٣٠ ألف كتاباً خاصاً عن الشيخ عياد الطنطاوي الذي سافر من مصر لتدريس اللغة العربية في روسيا فعاش هناك من عام ١٨٤٧ كتاباً عام ١٨٦١ وتوفي