للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التصريح بعد التلميح]

في توجيه الجيل الجديد

للدكتور زكي مبارك

كنت أُوهم قرائي أن غايتي من المصاولات القلمية هي إيقاظ الحياة الأدبية بعد أن طال عليها الهجود. وذلك غرضٌ نبيل ولكنه أصغر من الغرض الذي أتسامى إليه، وهو نقل المجتمع في أخلاقه وآدابه من حال إلى أحوال.

وقبل المضيّ في شرح الغرض الذي أرمي إليه بهذا المقال أذكر أن المجتمع المصري مجتمع سليم، فقد نهض بأعباء لا ينهض بها من يكون في مثل حاله من التعرض لمكاره التقلبات الدولية.

وخبرتي بطبقات المجتمع في كثير من البلاد الشرقية والغربية دلتني على أن المجتمع المصري مفطور على التماسك، وأقنعتني بأن شبان مصر على جانب من الأخلاق التي تصوغ أكابر الرجال، وإلا فكيف سَلِمتْ مصر من التصدع برغم ما تعاني من حوادث وخطوب؟

هذا حق، وإذن فلا خوف على مصر ما بقيتْ تلك المناعة من الانحلال.

ولكني مع ذلك خائف على مصير بلادي. ففي كل يوم أرى جماعات تغري الشبان بالرجعة إلى العصور السحيقة، عصور الجمود والخمود.

ومن عجيب ما يقع في مصر أن تكون الدعوة إلى الأخلاق مقصورة على أناس لا يعيشون إلا بأسندة من المجتمع، مع أن العقل يوجب أن تصدُر الدعوة الأخلاقية عن رجال أقوى من المجتمع، رجال يقيمون البراهين على أنهم في حيوية ذاتية تعصمهم من المداهنة والرياء، وتضمن لهم النجاة من مزالق التصنع والازدلاف.

الدعوة إلى الأخلاق تصدُر عن الأقوياء لا عن الضعفاء، لأن الأصل في اُخلُق أن يكون قوة روحية وعقلية وذوقية تصل بصاحبها إلى شرف الثقة بالنفس في غير ازدهاء ولا اختيال.

أما صدور تلك الدعوة عن أناس لا يستطيعون مواجهة أمواج الحياة إلا إن أمددناهم بالعون والرعاية فهو عمل لا نرضى عنه إلا إذا نوينا التصدق والافضال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>