وأقول بصراحة إني لا أستريح إلى من يدعوننا في كل يوم إلى التخلق بأخلاق العصور الذواهب، بعد أن عرفتُ ما عرفت من أخبارها السود، فقد كان الرجل يُسجن وتُستصفَى أمواله بلا تحقيق، لأتفه الشبهات، وكان التاريخ يكُتَب بالأجر فيجوز فيه الكذب والتهويل بلا حساب.
في العصور الماضية وُجِد حكام ولم توجَد شعوب. . . وإني أحب أن يكون فنياً رجل مثل عمر بن الخطاب، ولكني أكره أن نعيش على النظام الذي عاش عليه عصر عمر بن الخطاب. . .
وأنا أرّحب بعودة هرون الرشيد، ولكني أكره أن يعود عصر هرون الرشيد، فما يسمح عقلي بقبول الصورة التي عاش عليها المسلمون في عهد ذلك الخليفة العظيم، وإن لوّن عهدُه بروائع الألوان.
وما رأيكم في الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي وُلد في بلادنا الغالية؟
كان غاية الغايات في إيثار العدل، وأنا أتمنى أن يعود، إن كان للأموات إلى الدنيا مَعاد، ولكني أكره أن يعود عهدُه مرةٌ ثانية، فقد كانت الأمم الإسلامية في تناحُر وشقاق، وكانت الإدارة الحكومية أضعف من أن تجمع الشمل، وترأب الصدع، وترتق الفُتوق، فكانت أيامه قنطرة تحمل أثقال الفِتن من جانب إلى جانب، بلا نِظام ولا وثاق، وهي أيام لها سوابق ولواحق، وبشؤمها المأثور هوت الأمم الإسلامية إلى المهاوي التي سجّلها التاريخ.
وخلاصة القول أن (للسّلف الصالح) لا يتمثل في غير الحكام العادلين، وهم آحاد أو عشرات، أما الشعوب في تلك العهود فلم يكونوا يحتكمون إلى غير السيف، وقد كان وحده الفَيْصل في أكثر ضروب الخلاف.
ماذا أريد أن أقول؟
أريد النص على أن التعلق بأهداب العصور الماضية ضلال في ضلال، وأن الذين يريدون أن يردّونا إليها ليسوا إلا أحياءَ يحملون قلوب الأموات، وإن تردّوا بأردية الصالحين والأتقياء!
لم يكن للشخصية الفردية وجود صحيح في العصور الخوالي، ولا كان أحد يجرؤ على مواجهة الحكام بنقد ما يقع في أعمالهم من جور واعتساف، إلا نوادر من المعارضات قام