كتب إليّ صديق من زملائي على عهد الدراسة كتاباً يقول فيه: -
(إني مواظب على قراءة الرسالة بشغف واهتمام، ولست تكتب على صفحاتها مقالاً إلا قرأته لك، وتنسمت فيه روحك، وثارت به في نفسي ذكريات محببة عن أيامنا الجميلة التي كنا نختلف فيها إلى دروس الأدب والبلاغة يلقيها المرصفيُّ وعيَّارة والبطراوي والإسكندري وغيرهم، ونتجاذب فيها أطراف المحاورة، وأهداب المذاكرة، ونتساقى كئوس الشعر والنثر كأنها رحيق مختوم. وقد أذكر زميلنا الذي كان مولعاً - في كتاباته الإنشائية - برواية أشعار المتنسكين والمتزهدين، وأننا كنا نغرب في الضحك إذا سمعنا أستاذ الإنشاءَ يقرأ طرفاً مما كتب، ويحاسبه على أفكاره العتيقة. وما لهذا كتبت إليك، ولكني أريد أن أتحدث إليك في أمر كثيراً ما هممت بأن أحدثك فيه:
أنت تعرف رأيي في أسلوبك الكتابي وبحوثك العلمية، وتعرف حبي لك وشديد غيرتي عليك، فهل لي أن أسألك: لماذا تنحو في اختيار موضوعاتك هذه النواحي الأزهرية فتتحدث عن الفقه وأصول التشريع ودراسات الأزهر وأسلوبه في التفكير وما ينبغي له من علو ورفعة شأن، ولا نراك تتحدث عن الأدب والشعر وهما في هذا العصر أنشودة الشُّداة، وأغرودة الحداة، وثقافة المثقفين؟ لو كنت أعلم أنك تخرجت في علوم الشريعة لقلت: رجل مشغوف بما درس، معنيٌ بإشباع نهمه العلمي منه، ولكنك تخرجت في دراستك تخرج الأديب، ونلت شهادة التخصص في علوم البلاغة والأدب، فكيف تجحد حقهما عليك وتنسى فضلهما في تهذيبك وتثقيفك؟ وهل تتحبب إلى الأدب طالباً، وتتنكر له أستاذاً، فتقطع به صلتك، وتزوي عنه وجهك وتنصرف إلى غيره مما ليس منه ولا يمتُّ إليه؟
ما هذا الذي أُغرمت به، وملك عليك نفسك، واستبد بقلمك؟ وأيُّ فرق بينك وبين الزميل المتنسك الذي ألحدْتُ إليه صدر هذا الكتاب؟ ولم إذن كنت تسخر منه، وتُغرب في الضحك عليه؟
لا يا صديقي، ما لهذا يريدك أصدقاؤك، وما لهذا أردت نفسك، وما لهذا أعدتك (شعبة البلاغة والأدب) في تخصص الأزهر. لا تكفر بالأدب ولا تنأ بجانبك عنه، واستغفر لذنبك