للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النسيان في نظر التحليل النفسي]

للآنسة فائزة علي كامل

كان العلماء النفسانيين يوجهون كل اهتمامهم إلى دراسة الذاكرة، تاركين جانبا ظاهرة النسيان، إلى أن كان أواخر القرن التاسع عشر فانعكست الآية واحتلت الأبحاث في النسيان مكان الصدارة. ويرجع الفضل في ذلك إلى (فرويد) الذي ألقى ضوءا على هذه العملية فأبان ما فيها من ديناميكية لم تكن معروفة من قبل

لقد كانت الآراء السائدة ترد النسيان تارة إلى عدم الانتباه؛ وأخرى إلى علل فسيولوجية، وثالثة إلى عوامل نفسية وفسيولوجية معاً. درس (فرويد) هذه النظريات وصرح بأنها ليست خاطئة من أساسها، ولكنها في حاجة إلى التعديل، إذ ليست جامعة لتفسير كل حالات النسيان

أخذ (فرويد) يدرس ما سماه (الأفعال الفاشلة)، وهي تلك الحوادث البسيطة التي نصادفها في حياتنا اليومية كفلتات اللسان، وفلتات القلم، وأخطاء السمع. وكالنسيان الذي يظل لفترة معينة مثل نسيان اسم شخص أو موضع شيء ثم نذكره بعد مدة قد تطول أو تقصر

إن هذه الوقائع لو طلبنا تفسيرها من شخص عادي فإنه قد يستخف بنا في بادئ الأمر وينظر إلينا شزرا، ثم يقول أنها أشياء تافهة في نظره، يتحكم فيها عامل الصدفة ولا تحتاج إلى شرح أكثر من ذلك. فإذا عدنا وسألناه: ماذا تعني بذلك؟ هل تعني أنه توجد حوادث تقع خارج سلسلة ظواهر العالم وقد بلغت حدا من التفاهة جعل حدوثها وعدم حدوثها سيين؟ أنك بذلك تحطم قانون الحتمية وتقلب التصور العلمي للعالم. هنا نجد أن الشخص سيتراجع ويحاول أن يجد علة لهذه الأفعال فيقول: إنها تحدث عندما يكون الإنسان منحرف المزاج أو متعبا أو عندما يستثار أو عندما يشرد ذهنه عن الشيء الذي يقوله أو يقوم بأدائه

لو أنعمنا النظر فيما أتى به هذا الشخص العادي لوجدنا أنه يقول بعامل واحد هو عدم الانتباه، وهذا ينشأ نتيجة عوامل فسيولوجية كالتعب، والصداع، والهزال. . الخ. أو عوامل نفسية فسيولوجية كتشتت الفكر، الاستثارة. . . الخ. ولكن هل حقا أن عدم الانتباه هو وحده الذي يوقع في فلتات اللسان فيجعل الخطيب يخطئ ويأتي بكلمة عكس المقصود مثلاً؟ يجيب (فرويد) بأن ذلك وأن كان عاملا مساعدا إلا أنه ليس العلة الحقيقية. فماذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>