للأحوال الاقتصادية في كل مجتمع شأن عظيم في توجيه حياة أفراده، وفي إقامة النظم الحكومية والآداب العرفية بين أهله
هذه حقيقة لا حاجة بها إلى كشف ولا إثبات، ولا حاجة بها إلى كاشفين ولا مثبتين، لأنها أقرب إلى البديهيات المقررة والأصول المسلمة، منها إلى (نظريات) الأدلة والبراهين.
هذه حقيقة لم يكشفها الاشتراكيون والشيوعيون، وإن غلا فيها دعاة الاشتراكية والشيوعية، فإن شاءوا من خصوم مذهبهم أن يثبتوها معهم أو يثبتوها قبلهم أو بعدهم فما من معارضة في إثباتها بين فريق من الناس حيث كان
ولهم أن نزيدهم خطوة أخرى في هذا الطريق فنقول: إن الأحوال الاقتصادية وراء كل حركة عظيمة من حركات التاريخ؛ فما سجل التاريخ قط من نهضة أو دعوة أو ثورة أو انقلاب إلا كان للأحوال الاقتصادية في كل أولئك أثر واضح وسهم كبير.
وإلى هنا نقف فلا نستطيع أن نتقدم خطوة؛ لأننا إذا تقدمنا خطوة أخرى وراء هذه الخطوة قلنا ما ليس في وسعنا أن نقوله وليس في وسع العقل أن يقبله ويسيغه: قلنا إن الأحوال الاقتصادية هي كل شيء وإنها هي المهم الذي لا مهم غيره، وإن العوامل الكونية لا تشتمل على شيء آخر غير المضاربات والأسواق وتداول الأسعار.
وهذا مسخ للحياة ومسخ للفكر ومسخ للعوامل الكونية
بل هذا مسخ للكون حتى ليصبح من بداية الخلق إلى نهايته (بورصة) مضاربات ومثابة سمسرة وشطارة واختلاس
وليس في وسعنا أن نقول ذلك، وإن قاله الاشتراكيون، وقاله الغلاة من الاشتراكيين وهم الشيوعيون الماركسيون
فالأحوال الاقتصادية شيء هام ولكنها ليست بكل شيء هام، والأحوال الاقتصادية لها سلطان على المجتمع ولكنها ليست بكل سلطان في المجتمع، وليس المجتمع مع ذلك بالقضاء الذي لا يرد له حكم في حياة الأفراد، فقد يكون للأفراد حكم نافذ في كل مجتمع نشأوا فيه.