ما أحوجني إلى ضحكة تخرج من أعماق صدري فيدوّي بها جوّي! ضحكة حية صافية عالية، ليست من جنس التبسم، ولا من قبيل السخرية والاستهزاء، ولا هي ضحكة صفراء لا تعبر عما في القلب؛ وإنما أريدها ضحكة أمسك منها صدري، وأفحص منها الأرض برجلي؛ ضحكة تملأ شدقيّ، وتُبدي ناجذَيّ، وتفرج كربي، وتكشف همي
ولست أدري لماذا تجيبني الدمعة وتستعصي عليّ الضحكة، ويسرع إليّ الحزن، ويبطئ عني السرور، حتى لئن كان تسعة وتسعون سبباً تدعو إلى الضحكة وسبب واحد يدعو إلى الدمعة، غلب الدمع وانهزم الضحك، وأطاع القلب داع الحزن ولم يطع دواعي السرور!
ولي نفس قد مهرت في خلق أسباب الحزن؛ تخلقها من الكثير، ومن القليل، ومن لا شيء؛ بل وتخلقها من دواعي الفرح أيضاً. وليست لها هذه المهارة ولا بعضها في خلق أسباب السرور؛ كأن في نفسي مستودعاً كبيراً من اللون الأسود، لا يظهر مظهر أمام العين حتى تسرع النفس فتغترف منه غَرفة تسوّد بها كل المناظر التي تعرض لها، ثم ليس لها مثل هذا المستودع من اللون الأحمر أو اللون الأبيض!
يقولون لي: اضحك يدخل على قلبك السرور؛ وأنا أقول لهم: أدخلوا السرور على قلبي أضحك. ففي المسألة (دَوْر) كما يقول علماء الكلام، وكما يقول الشاعر:
مسألة (الدوْر) جَرَتْ ... بيني وبين من أُحِب
لولا مَشيبي ما جَفَا ... لولا جَفَاهُ لم أَشِب
وإلى الآن لم أَدر من المصيب! هل الضحك يبعث السرور، أو السرور يبعث الضحك؟ ودخلت المسألة في دور من الفلسفة مظلم كالعادة، وانتقلت إلى بحث بيزنطي، كالبحث في هل البيضة أصل الدجاجة أو الدجاجة أصل البيضة؟ فلنغلق هذا الباب ولنعد إلى (الضحك)
يقول المناطقة في أحد تعريفاتهم للإنسان:(الإنسان حيوان ضاحك)؛ وهذا عندي أظرف من تعريفهم الآخر:(الإنسان حيوان ناطق). فالإنسان في هذا الزمان أحوج إلى الضحك منه إلى التفكير، أو على الأصح نحن أحوج ما نكون إلى التفكير والضحك معاً