السبب بسيط جدّاً. فالطبيعة لم تحمّل حيواناً آخر من الهموم ما حمّلته الإنسان؛ فهمّ الحمار والكلب والقرد وسائر أنواع الحيوان أكلة يأكلها في سذاجة وبساطة، وشربة يشربها في سذاجة وبساطة أيضاً. فإذا نال الحمار قبضة من تبن وحفنة من فول وغَرفة من ماء، فعلى الدنيا العفاء، ولكن تعال معي فانظر إلى الإنسان المعقد المركب! يحسب حساب غده كما يحسب حساب يومه، وكما يحسب حساب أمسه؛ ويخلق من هموم الحياة ما لا طاقة له به، فيحب ويهيم بالحب حتى الجنون، ويشتهي ويعقّد شهواته حتى لا يكون لعقدها حل؛ فإذا حلت من ناحية عقدها من ناحية؛ ثم إذا سذجت اللذة وتبسطت لم تعجبه بل أخرجها من باب اللذة، وعقد أمله على لذة معقدة. وإذا تفلسف - والعياذ بالله من فلسفته - خرج بها عن المعقول، وحاول أن ينال ما فوق عقله، ولم تعجبه الأرض والسموات مجالاً لبحثه؛ إنما يريد الحقيقة والماهية والكُنْه. وويل له من كل ذلكّ! أستغفر الله فقد نسيت أن أذكر هموم الموظف بالعلاوات والترقيات، وما كان منها استثنائياً، وما كان غير استثنائي، وما يترتب على ذلك من معاشات وحساب تمغة، وما إلى ذلك من أمور لا تنتهي. وهذا أيضاً من ضروب الفلسفة المظلمة، فلنعد إلى الضحك
أقول إن الطبيعة عودتنا أن تجعل لكل باب مفتاحاً، ولكل كرب خلاصاً، ولكل عقدة حلاً، ولكل شدة فرجاً؛ فلما رأت الإنسان يكثر من الهموم ويخلق لنفسه المشاكل والمتاعب التي لا حد لها، أوجدت لكل ذلك علاجاً؛ فكان الضحك
والطبيعة ليست مسرفة في المِنَح، فلما لم تجد للحيوانات كلها هموماً لم تضحكها، ولما وجدت الإنسان وحده هو المهموم المغموم جعلته وحده هو الحيوان الضاحك
لو أنصف الناس لاستغنوا عن ثلاثة أرباع ما في (الصيدليات) بالضحك، فضحكة واحدة خير ألف مرة من (برشامة أسبيرين) وحبة (كينين) وما شئت من أسماء أعجمية وعربية. ذلك لأن الضحكة علاج الطبيعة، والأسبرين وما إليه علاج الإنسان. والطبيعة أمهر علاجاً وأصدق نظراً وأكثر حنكة. ألا ترى كيف تعالج الطبيعة جسم الإنسان بما تمده من حرارة وبرودة، وكرات حُمر وبيض، وآلاف من الأشياء يعالج بها الجسم نفسه ليتغلب على المرض ويعود إلى الصحة، ولا يقاس بذلك شيء من العلاج المصطنع؟
فانفجار الإنسان بضحكة يُجري في عروقه الدم؛ ولذلك يحمر وجهه، وتنتفخ عروقه. وفوق