هذا كله فللضحكة فعل سحري في شفاء النفس وكشف الغم، وإعادة الحياة والنشاط للروح والبدن، وإعداد الإنسان لأن يستقبل الحياة ومتاعبها بالبشر والترحاب
ولو أنصفنا - أيضاً - لعددنا مؤلفي الروايات المضحكة والنكت والنوادر البارعة التي تستخرج منك الضحك وتثير فيك الإعجاب، وتنشئ بك الطرب، وهؤلاء الذين يُضْحكون بأشكالهم وألاعيبهم وحركاتهم؛ أقول لو أنصفنا لعددنا كل هؤلاء أطباء يداوون النفوس، ويعالجون الأرواح، ويزيحون عنا آلاماً أكثر مما يفعل أطباء الأجسام، ولعددنا من يستكشف الضحكات في عداد من يستكشف دواء للسل أو للسرطان أو نحو ذلك من الأدواء المستعصية؛ فكلاهما منقذ للإنسانية من آلام، مصلح لما ينتابها من أمراض
والضحك بَلْسم الهموم ومرهم الأحزان؛ وله طريقة عجيبة يستطيع بها أن يحمل عنك الأثقال، ويحط عنك الصعاب، ويفك منك الأغلال - ولو إلى حين - حتى يقوى ظهرك على النهوض بها، وتشتد سواعدك لحملها
ومن مظاهر رقي الأمم أن نجد نواحي الضحكات، ملائمة لاختلاف الطبقات. فللأطفال قصصهم وألاعيبهم ومضحكاتهم، ولعامة الشعب مثل ذلك، وللخاصة وذوي العقول الراقية المثقفة ملاهيهم وأنديتهم ومضحكاتهم. فأن رأيت أمماً - كأممنا الشرقية - حرم مثقفوها من معاهد الضحك وكانت مسلاتهم الوحيدة أن ينحطوا ليضحكوا، أو يرتشفوا من الأدب الغربي والتمثيل الغربي ليضحكوا، فهي أمم ناقصة في أدبها، فقيرة في معاهدها. وهذا أيضاً ضرب من ضروب الفلسفة المظلمة، فلنعد إلى الضحك
تعال معي نتعاهد على أن نرعى في حياتنا جانب الضحك كما نرعى جوانب الصحة والمرض، وجانب الهزل بجوار جانب الجد، ولنتخذ الضحك علاجاً في بعض أمورنا
قال لي صديق مرة إنه حاول أن يتغلب على همومه وأحزانه بعلاج بسيط فنجح. ذلك أنه إذا اشتد به الكرب، وتعقدت أمامه الأمور حتى لا يظن لها حلاً، انفجر بضحكة مصطنعة فسُري عنه وتبخرت همومه
ويروي أنه كان عند اليونان فيلسوفان يلقب أحدهما الفيلسوف الضاحك، والآخر الفيلسوف الباكي؛ كان أولهما يضحك من كل شيء ضحِكَ جِدٍّ أحياناً، وضحك سخرية أحياناً: يضحك من سخف الناس ومن وضاعتهم وحقارتهم، ويبكي الثاني مما يضحك منه الأول