تحريم الحرب من الوجهة الدولية وتشبيه الدولة بالفرد في قمع
الاعتداء
لباحث دبلوماسي كبير
لأول مرة في التاريخ نشهد قراراً دولياً بأن حرب الاعتداء وسيلة غير مشروعة لتحقيق غايات السياسة القومية، ولأول مرة في التاريخ تصدر دول العالم ممثلة في عصبة الأمم حكمها على دولة أوربية عظمى هي إيطاليا بأنها دولة معتدية، وإنها بغزو الحبشة ترتكب خرقاً لقانون الأمم؛ بل نشهد في الواقع ما هو أعظم من الأحكام النظرية؛ نشهد عصبة الأمم تقرر باسم دول العالم أن توقع على إيطاليا طائفة من العقوبات الاقتصادية التي نص عليها في ميثاقها؛ وهذه أول مرة تتخذ فيها عصبة الأمم مثل هذه القرارات الخطية الحاسمة، وقد كان يبدو دائماً كلما وقعت أزمة دولية خطيرة أن هذه النصوص التي أدمجت في ميثاق عصبة الأمم وقت حمى السلام، إنما هي نصوص خيالية لا سبيل إلى تطبيقها بصورة عملية؛ ولكن يلوح لنا إن عصبة الأمم تسير هذه المرة بعزم واضع إلى تطبيق هذه التجربة الشائكة، وإنها تزمع أن تصل بتطبيقها إلى نتائج عملية لا شك في أهميتها من الوجهة الدولية
وهذا الإقدام الذي تبديه العصبة في مقاومة الاعتداء الإيطالي على الحبشة وعلى السلام العام يثير بلا ريب كثيراً من الإعجاب، ويرفع بلا ريب هيبة العصبة بعد أن كادت تغيض في الأعوام الأخيرة؛ ولكن يجب ألا نبالغ في فهم الدور الذي تؤديه العصبة في هذا النضال الدولي الخطير، أو بعبارة أخرى يجب أن نفرق بين العصبة كشخصية دولية معنوية، وبين الدول التي تساهم في تكوينها وتشرف على توجيهها؛ فمن الواضح أنه لو لم تقف إنكلترا وقفتها المعروفة في التمسك بميثاق العصبة، ولو لم توفق السياسة البريطانية إلى إقناع الدول الأخرى بوجهة نظرها في تأييد الميثاق، بل لو لم تقم إنكلترا باتخاذ تلك الاهبات البحرية والعسكرية الخطيرة لتأييد موقفها، لما استطاعت العصبة أن تقدم بمثل هذا العزم على تطبيق الميثاق واتخاذ قرارها الشهير في الحكم على إيطاليا بالاعتداء وتوقيع