ومن الواضح أيضاً أن بريطانيا العظمى لم تقف هذا الموقف الحازم من المغامرة الإيطالية حباً في السلام فقط، أو لأن بريطانيا تريد أن تكون حارسة للسلم، أو أن تكون على حد تعبيرها (بوليسا) للقارة، أو بوليسا للعالم. فبريطانيا أزهد ما يكون في مثل هذه المهمة التي تعرضها لمتاعب ومسؤوليات لا نهاية لها؛ ولكن الحقيقة أن هذه الحرب الاستعمارية التي تثيرها إيطاليا تعرض مصالح الإمبراطورية البريطانية للخطر، وفوز إيطاليا بافتتاح الحبشة وتحقيق حلمها في إقامة إمبراطورية استعمارية في شرق أفريقيا، يهدد السيادة البريطانية في وادي النيل، وفيما وراء البحار، ويعرض المواصلات الإمبراطورية البريطانية لأخطار لاشك فيها، وإذكاء مطامع إيطاليا القيصرية بالفتح يهدد سيادة إنكلترا البحرية في البحر الأبيض المتوسط، وهي عماد الطريق الإمبراطوري إلى الهند وإلى استراليا. فهذه البواعث الخطيرة هي التي تحمل إنكلترا قبل كل شيء على اتخاذ موقفها في تحريك ميثاق عصبة الأمم، وفي المغامرة بالدخول في أية معارك بحرية أو برية يقتضيها تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيطاليا
على إنه مهما تكن البواعث التي تواجه السياسة البريطانية في الآونة الحاضرة فلا ريب أن بريطانيا العظمى تقف إلى جانب السلم، ولا ريب إنها بموقفها تؤيد سلام العالم؛ وإذا كانت الفاشستية الإيطالية بعنفها المضطرم، ووسائلها المثيرة، وأحلامها الإمبراطورية، وغرورها الأعمى، تهدد الإمبراطورية البريطانية في البحر الأبيض والبحر الأحمر، فإنها تهدد سلام العالم أيضاً؛ وربما كان من حسن الطالع أن يتحد هذان العاملان معاً، وأن تجد بريطانيا من بواعث مصالحها الحيوية ما يدفعها إلى العمل في تلك الآونة لتحطيم مشروعات إيطاليا الهمجية. وها نحن أولاء نشهد من إصرار بريطانيا على موقفها، ومن تمسكها بتطبيق العقوبات الاقتصادية ضد إيطاليا، ومن أهباتها البحرية والعسكرية ما يفسر خطورة البواعث والعوامل التي تجثم وراء هذا النزاع
وقد كثر الحديث حول العقوبات الاقتصادية التي تعنى بتطبيقها عصبة الأمم ضد إيطاليا المعتدية؛ وهي عقوبات لها خطورتها وأثرها في هذا العصر الذي يتوقف كل شيء فيه على المال، وتستمد فيه قوى الدول من مواردها المالية قبل كل شيء؛ فإذا شلت موارد