هذه أيضاً مشكلة كبيرة لا بد لرجال السياسة والاجتماع من مواجهتها في حزم، وليس من شك في أن عدم العناية بها بعد الحروب الكبيرة والثورات القومية الماضية، قد كان دائماً من الأسباب القوية التي مهدت لحروب وثورات لاحقة، ونحن لا نعرف سياسة أحمق من تلك التي تتناول الأمم طبقات وطوائف دون نظر دقيق إلى ما يجب أن يقوم بين تلك الطبقات والطوائف من توازن يكفل سلامة الأمة وضمان وحدتها.
والطبقات الاجتماعية لم تتكون في التاريخ عفواً، بل قامت دائماً على المقاييس العميقة المتغلغلة في عقلية الشعوب. ففي العصور القديمة عندما نرى أفلاطون يقسم جمهوريته إلى ثلاث طبقات: حكماء يرأسون المدينة، وجند يذودون عنها، وعمال يوفرون لها وسائل الحياة المادية، لا نستطيع أن نسلم في يسر بأنه إنما أخذ هذا التقسيم عن قياسه للهيئة الاجتماعية وطبقاتها بالفرد وملكاته. ولا بد لنا من أن نذهب إلى أبعد مما زعم لنستطيع فهم الأساس الذي أقام عليه هذا التقسيم. نعم إن الحكماء ينزلون من الأمة منزلة الرأس بملكاته العاقلة، والجند منزلة القلب بقوته الغضبية، والعمال منزلة المعدة بنشاطها المادي؛ ولكن، أليس من البين أن هذا التقسيم تنعكس فيه المقاييس العامة للإغريق في ذلك الحين؟ فالعمال، في هيئة اجتماعية كانت تجمع على أن العمل من اختصاص العبيد، لم يكن مفر من أن ينزلوا المنزلة الثالثة. والجند، في بلاد استهدفت لجحافل القرس وردت بشجاعتها عدوانهم بعد أن هددها فناء محقق، كان من الطبيعي أن ينزلوا منزلة تسمو على منزلة العمال وتتمتع باحترام المجموع. وأما رياسة الحكماء للمدينة فذلك حلم رآه أفلاطون، وكان هو أول من تنكر له، إذ لم يلبث أن ترك السياسة بالرغم من وجاهة محتدة وقرب اتصاله بالقادة في ذلك الحين، وهو بعد حلم لا تزال الإنسانية ترتجيه.
وهكذا نستطيع أن نستشف عقلية الشعوب من أسس تقسيمها للهيئة الاجتماعية، وهي عقلية دامغة تسيطر حتى على كبار المفكرين أمثال إفلاطون، مما نظن دائماً أنهم فوق بيئاتهم أو نابين عنها.
وفي القرون الوسطى نعثر على نفس الحقيقة. فعندما يحدثنا التاريخ أن الطبقات الاجتماعية