للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والفن في أسبوع]

للأستاذ عباس خضر

قطع العلاقات الأدبية:

أصدرت الحكومة قرارا يقضى بخطر تصدير الورق المطبوع وغير المطبوع، علاجا لأزمة الورق الحاضرة، حتى يتوافر في داخل القطر ما يرد منه. ويتضمن ذلك منع إصدار الكتب التي تطبع في مصر إلى سائر البلاد العربية. . وهذا قرار بالغ الخطورة! أهون منه حل جامعة الدول العربية وكل ما ينشأ بين الحكومات العربية من خلاف وسوء تفاهم. . . فالكتاب هو السفير بين البلاد، وهو سفير يعمل على توطيد المودة وتعزيز القرابة بين أهلها، وهو سفير صامت يعمل في غير تظاهر ومآدب وحفلات، لا يخطب بكلام يرن بين الأركان ثم يذهب في الفضاء، وإنما يتحدث إلى العقول والقلوب فتستكين إليه ويستكين بها، فأن ذهب تسرب إلى قرار النفوس وبواطن المشاعر.

فالكتاب بين البلاد العربية أساس وحدتها وقد سبق (البرتوكولات) بل مهد لها وقامت عليها. فليت شعري كيف ينزع الأساس ويظل البناء قائما!

والعجيب أن ذلك القرار يشمل منع الكتب عن جنوب الوادي: السودان! وهنا معنى سياسي لست أدرى كيف خفي على من أعدوا القرار. . . وهناك أيضا نواح عملية لست أدري أيضا كيف خفيت عليهم، فلنا في السودان مدارس تصرف لها الكتب من مصر. . ولدار الكتب المصرية فرع في الخرطوم من الطبيعي أن تمده بما يجد من الكتب، وكذلك هناك مكتبة النادي المصري بالخرطوم. وإخواننا السودانيين على العموم يحفلون بالمؤلفات المصرية ويستقبلونها من لدنا كما نستقبل من لديهم ماء النيل.

والعجب يبلغ أشده كلما أنعمنا النظر في ذلك القرار. . والظاهر أن الموظفين الذين فكروا فيه وأعدوه إنما نظروا إلى الناحية المادية والتجارية المحضة، نظروا إلى الكتب على أنها بضاعة كالأرز والبصل يمنع إصدارها لتكثر في الأسواق المحلية ولم يخطر ببالهم أن قطع الكتب إنما هو قطع العلاقات الأدبية وصد للتيار الفكري بين البلاد العربية، بل أقول إن النظرية المادية التجارية نفسها غير سليمة، فمستهلكو الكتاب المصري في مصر قليل، وهو يعتمد على قراء البلاد العربية الأخرى، فمنعه من التصدير معناه الكساد وما في هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>