للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مظاهر العبقرية في الحضارة الإسلامية]

للأستاذ خليل جمعة الطوال

ولما أظهر الله الإسلام تنفست هذه الفئات المضطهدة الصعداء، وأخذت تسير بسيره، وتترسم خطاه، وإذ آنست فيه إلى ظل نظام عادل، فقد أخذت تؤسس في كل حاضرة من حواضر الإسلام مدارس للعلم ومجالس للعلماء، واهم هذه المدارس على الإطلاق هي مدرسة الإسكندرية المشهورة.

وباتساع رقعة الإسلام أخذ الخلفاء يستعينون بهؤلاء العلماء على تنظيم شؤون إمبراطوريتهم السياسية، ولما ترافدت عليهم - أي الخلفاء - الفتوح، ودانت لهم الأقطار أخذوا يتطلعون إلى موارد العلم والمدنية والثقافة، ولم يفتهم قط أن يستعينوا بعلم هذه الطبقات الراقية التي خضعت لسلطانهم، ودخلت في حوزتهم، وعلى ذلك فإننا نستطيع أن نجمل العوامل الرئيسية التي عملت في تنشئة الفكر العربي وإعداده إعدادا علميا صحيحا لتلقي الحضارة في خمسة عوامل هامة وهي:

أولا - النساطرة - وقد استعان هؤلاء على نشر أفكارهم في بلاد العرب بتعاليم منتزعة من الفلسفة اليونانية حتى كان كل نسطوري يحكم الضرورة معلما في الفلسفة اليونانية، وهم إلى جانب ذلك أول مدرسة تهذب فيها الفكر العربي باحتكاكه بالثقافة اليونانية، وأول من خدم الطب في العصور الأولى.

ثانيا - اليعاقبة، وإليهم يرجع الفضل الأول في إدخال الأفلاطونية الجديدة، ومذهب الباطنية في جو الثقافة العربية.

ثالثا - الزرادتشيون في بلاد فارس، واهم مدارسهم هي مدرسة جنديسابور التي أسسها (كسرى انوشروان (وكانت تضم طائفة من العلماء الذين شردهم الإمبراطور (بوستيانوس) حين أمر بإغلاق جميع المدارس والهياكل في أثينا. وكانت تدرس في هذه المدرسة الكتب اليونانية والسريانية والفلسفة الهندية وآدابها وعلومها، وفي هذه المدرسة أيضا ازدهر الطب ونما إذ تخلص من ضغط الكنيسة، وتحرر من قيود العلوم اللاهوتية، واشتهر في هذه المدرسة قبل الإسلام الحارث بن كلدة الطبيب المشهور، وابنه النضر، وقد ذكره ابن سينا مع الذين هزموا يوم بدر، ثم أُسر وقتله علي بن أبي طالب صبراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>