من أبين خصائص التشريع الإسلامي، وأبرز محاسنه ومزاياه يسر أحكامه، وبسهولة تكاليفه، ومسايرة أوامره ونواهيه للطبيعة البشرية، والفطرة الإنسانية، التي لم يمسسها دنس ولا رجس، ليس في ذلك شيء يعنتها، ولا حكم يشق عليها؛ ولا غرو، فهي شريعة الرحمن الرحيم، وتنزيل من الخبير العليم، ووحي وهداية من العزيز الحكيم، وتفصيل وبيان من رسوله الصادق الأمين، الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم.
والآيات القرآنية في ذلك المعنى مستفيضة: قال الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال: (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر)، ولما شرع الله - جلت حكمته - التيمم عند عدم وجود الماء أشار إلى حكمة ذلك التيسير والتخفيف في قوله في سورة المائدة:(وإن كنتم مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم، لعلكم تشكرون)، كذلك قال الله - جل شانه - في سورة الحج:(وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج).
ومثل ذلك الأحاديث، فإنها جمة متضافرة على هذا المعنى، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده:(أحب الدين إلى الله الحنفية)، وفي شمائله صلى الله عليه وسلم:(ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما).
وحسبك في ثبوت هذه المزية، ورعاية الإسلام لها، والبناء كثير من الأحكام عليها أن عدت أساساً من أسس التشريع الإسلامي، وقاعدة من قواعده، التي عول عليها فقهاء الإسلام، وعلماء النشر، والقائمون بالاجتهاد فيه، فراعوا اليسر، ورفع الحرج فيما استنبطوه من الأحكام، ووضعوا تلك القاعدة التشريعية التي جمعت بين وجازة اللفظ، وإصابة المعنى،