للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من هنا ومن هناك]

الضريبة والحية:

(للأديب الصيني (لينزوإيو) (٧٧٣ - ٨١٩))

كان في مدينة (بان جون) حية رقطاء، ما لدغت إنساناً إلا قتلته، وما مست نباتاً إلا أيبسته، وما عرف الناس اخبث من سمها ولكنه إذا استخلص وصب في قوارير كان دواء للجمرة وللبرص والجذام والناسور والطاعون.

ولما استفحل شرها، وعم ضرها، أعلن الملك أن من قتل حية فقدمها إلى طبيبه أعفاه من الضريبة فتسابق أهل البلد إلى جمعها واختصت بذلك أسرة (شيانج شي) فانقطعت إليه ثلاث بطون. ولقد لقيت واحداً من هذه الأسرة فسألته عن حاله فقال:

- (لقد قتلت هذه اللذة أبي وقتلت جدي من قبله، وأنا أمارسها منذ اثنتا عشر سنة، تعرضت فيها للموت غير مرة).

وبدت الكآبة على قسمات وجهه، وشاع الأسى في صوته، فرثيت له وقلت:

- لماذا لا تدعها إذا كان فيها الخطر، وتطلب من الحكام ان يأخذوا الضريبة منك؟

فقال - وهو يبكي بكاء موجعاً:

- أتريد أن ترحمني وتحييني؟ لا إن عملي هذا ليس شراً من دفع الضريبة - وانه يخيل ألي أني لولاه لم أبق حياً إلى الآن. ولقد مرت على هذه القرية ستون سنة ينقصون يوماً بعد يوم، إذ قد وجب عليهم أن يقدموا جميع ما تخرجه أرضهم، فكانوا لا يصبرون على هذا فيدعونها ويرتحلون، أو يسقطون جوعاً وإعياء. وتصيبهم الأمراض والأوباء. ومنهم من لا يستطيع اصطبارا فيجني الجناية فيأكل من حاصلات أرضه، فتفانوا وذهبوا، فلم يبق من الأسر التي عاصرت جدي واحدة من العشر، ولم يبق ممن عاصر أبي غير اثنين أو ثلاث - ولم يبق ممن عرفت أنا منذ اثنتا عشر سنة إلا أربع أو خمس - وأنا الوحيد الذي بقيت أسرته حية بفضل هذه الحية.

ولو أبصرت حين يصل إلى القرية الجباة الجابرون. فيملئون القرية صياحاً وضوضاء، ويهددون بالقتل أهلها، ولا ينجوا من شرهم الدجاج ولا الكلاب ورأيتني متباطئاً فأنظر إلى قدوري لأطمئن على وجود الحية - وحين أطعمها وأغذيها، وانتظر الموسم لأقدمها إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>