لعل من الخير أن ننظر نظرة في الأمور التي تشبه أن تكون أصولاً في النقد عند صاحب مقالات (بين العقاد والرافعي) والتي يمكن استنباطها من كلامه
ولعل من أبرز هذه الأصول ما يصح أن يسمى بالعلمية. ولسنا نريد بالعلمية هنا علمية التفكير، فقد وزناه من ناحية علمية التفكير فلم نجده منها في شيء؛ إنما نريد بها هنا علمية الأفكار. فصاحب تلك المقالات معجب جداً فيما يبدو بالعلم وبما يمكن أن يدخله الأديب في أدبه من النظريات والحقائق العلمية. تعرف ذلك من طبيعة أكثر الأمثلة التي ضربها لتفوق العقاد عنده على الرافعي، وتعرفه من تجشيمه نفسه قراءة ما قرأ من المباحث العلمية المنقولة إلى العربية كي يرقى كما يقول إلى محاولة استيعاب العقاد. وهذه النزعة إلى العلم تشكر فيه لولا ما يفسدها عليه في الموضوع الذي هو بصدده من تعصب للعقاد يجعله يتلقى كل ما يرد أو يتوهم أنه ورد على قلم العقاد من الأفكار العلمية كما يتلقى الوحي بالتسليم والإكبار المطلقين
والمثال الأول الذي ضربه لاحتياج الناظر في أدب العقاد إلى ألوان من الثقافة كالتي استمدها هو من قراءاته العلمية قطعة من (وحي الأربعين) عنوانها (سعادة في قمقم). وقد تساءل بعد أن ذكر أبياتها التسعة (هل فهم الرافعيون شيئاً من هذه القطعة مع وضوح كل لفظة فيها وكل عبارة؟). وما نظن الرافعيين أو غير الرافعيين يفهمون من مرماها شيئاً حتى يبلغوا البيت السادس منها
بسر على شفتي فاتن ... يباح إلى شفتي مغرم
وهو بيت رقيق ليس في القطعة كلها مظهر للشاعرية غيره، إذا بلغه القارئ ظن أن القطعة كتبت في قبلة، لأن السر الذي يباح إلى شفتين لا يمكن أن يكون غيرها. حتى إذا بلغ القارئ البيت الثامن