زال عنه كل شك في المراد من القطعة كلها، وإن بقي حيث كان من صعوبة توجيه القطعة إلى المعنى المراد كما يصعب أحياناً على قارئ اللغز حتى بعد عرفانه الحل أن يطبق لفظه على الشيء المقصود!
ولكي يشاركنا القارئ في تقدير القطعة نوردها له وإن شغلت مكاناً.
هنا قمقم سابح في الدم ... أسائل عنه ولم أعلم
جهلت خباياه حتى أتى ... عريف الطلاسم بالمعجم
ففيه كما قيل مسجونة ... سعادة بعض بني آدم
تجن جنوناً بنور الضحى ... وتذبل في حبسها المظلم
وقد زعموا أن إطلاقها ... رهين بهمة ذاك الفم
إلى هنا لا نظن قارئاً مهما بلغت ثقافته من التنوع والعمق، وبلغ هو من الاستعداد الطبيعي، يستطيع أن يدرك من هذه الأبيات معنى واضحاً، أو أن يقول إن المقصود بها هو قبلة حتى يقرأ عقب ذلك:
بسر على شفتي فاتن ... يباح إلى شفتي مفرم
فهل أنت مطلقها منعماً ... فديتك أم لست بالمنعم؟
وما أنا بالمشتهي قبلة ... ولا بالحريص على مغنم
ولكنما أنا أبكي أسى ... لتلك الشهيدة في القمقم
فليس في القطعة كما ترى ما يدل على المراد منها غير البيتين اللذين ذكرنا. والآن وقد عرفت المراد هل تستطيع ولو بشيء من التعسف أن تطبق القطعة على القبلة المطلوبة؟ سيد قطب يقول إنك تستطيع بشرط أن تعرف نظرية فرويد في العقل الباطن، وأن تكون على استعداد لأن تحس (بأن النوازع والرغبات المكبوتة في النفس، والأشجان والبلابل والاضطرابات التي تعتريها إبان ضرام الحب، تظل تعتلج في النفس وتقلقها وتهزها هزا كمواد البركان المكتوم حتى ينفس عنها ويتاح لها التعبير فإذا هي سعادة وهدوء وراحة.)(وكيف يكون التعبير؟ يكون بقبلة على شفتي فاتن تبيح السر إلى شفتي مغرم، وعندئذ تنطلق تلك الشهيدة في القمقم التي يبكي لها أسى). فهل تستطيع الآن بعد هذا التفسير