توفى أخيراً الفيلسوف الأمريكي جون ديوي الآراء والنظريات المشهورة في التربية. ومن حق الرجل علينا - حن المشتغلين بالتربية والتعليم - أن نكشف للناس عن بعض ما لهذا الفيلسوف من فضل على المناهج التربوية الحديثة في المدارس والمعاهد وبالتالي على الجيل الجديد الذي يتربى فيها في هذا القرن العشرين.
يعتبر جون ديوي صاحب مدرسة وصاحب مذهب في التربية وله أتباع وأنصار عديدون وآراؤه الفلسفية في التربية تتميز بأنها عملية ترتبط بواقع الحياة وترمي إلى نفع الإنسانية منفعة مباشرة، ولهذا أطلق على مذهبة التربوي مذهب البراجماسية. وإذا نظرنا هذه الآراء نجد أن ديوي يقرر أول ما يقرر أن (التربية يجب أن تهدف إلى تنظيم اشتراك الفرد في حياة المجتمع اشتراكاً إيجابياً عن وعي وقصد، كما يجب أن تهدف إلى الإصلاح الاجتماعي الذي لا يتحقق إلا إذا وجهنا نشاط الفرد وتفكيره نحو الاشتراك في المجتمع حتى يصبح فيه عضو نافعاً منتجاً)
وكانت هذه المبادئ التي بدأ يقررها وينادي بها حدثاً في حياة التعليم التي ألفها الناس وعكفوا عليها القرون الطوال. فإن السنة التي كان الناس يجرون عليها في تربية أبنائهم وتهذيبهم هي إرسالهم إلى المدارس بغية تلقي العلم واكتساب المعرفة عن طريق المربين الذين كانوا يتبعون طريقة واحدة هي طريقة إلقاء المعلومات وتلقينها للأطفال تلقينا نظرياً حتى تمتلئ بها أذهانهم وكانت هذه هي الطريقة المثلى لازديادهم علما وخبرة ومعرفة بالحياة!
وهاجم ديوي هذه الطبقة التقليدية الجافة وبين ما فيها من عقم وأوضح أنها لا تفيد الصغير بخبرات جديدة تحقق الغرض من اكتسابه لها، لأن موقفه السلبي الذي يتمثل في مجرد الإنصات والاستماع إلى خبرات الغير من شأنه أن يصرفه في غالب الأحيان عن الاستفادة؛ ومن شأنه كذلك أن يكرهه في مادة الدرس بما تدخله في نفسه من السآمة والملل، لأن الأشياء التي يكره على تقبلها لا تتعلق بذات نفسه لافتقادها عنصر التشويق ولبعدها عن ما يوائم ميوله الفطرية ويجاري غرائزه الطبيعية في هذه السن المبكرة.