هذا فضلاً عن أن انتفاع الطفل بما يتلقاه في مدرسته في حياته المنزلية والاجتماعية يكاد يكون مستحيلاً لأنه لا يجد ربطاً بين حياته في المدرسة وحياته في المنزل أو في المجتمع، وبذلك تكون التربية التي من هذا النوع عقيمة غير مجدية يصعب عليها أن تمد المجتمع بمواطن صالح واحد.
لهذه الاعتبارات كلها رأى (ديوي) أن التربية السليمة هي التي تقوم على أساس من خلق حياة طبيعية للتلميذ في المدرسة، مبنية على حاجاته وميوله ونشاطه الذاتي حتى يسعى بنفسه إلى اكتساب الخبرات الذي تنمي مداركه وتغذي عقله. . وبذلك نقل التلميذ من ميدان السلبية والركود إلى ميدان الإيجابية والعمل والنشاط. وبعد أن كان أساس التثقيف في الميدان الأول التلقين النظري الذي يأخذ فيه المدرس الجانب الأكبر من النشاط ولا يشاركه التلميذ فيه إلا بقدر ضئيل تافه. أصبح أساسه في الميدان الثاني التوجه العملي الذي يندفع فيه التلميذ من تلقاء نفسه بالتعليم، باذلاً النشاط الأكبر تحت إشراف مدرسه الذي لا تتعدى مهمته أكثر من التوجه والإرشاد إلى خير السبل لا كتساب المعرفة وتحصيل المعلومات.
وخالف (ديوي) رجال التربية التقليدية في أن هناك أغراضاً ثابتة للتربية لا تتغير بتغير الأحوال والظروف. فكان يرى أن التربية الحقة هي عملية نمو مستمرة ومتغيرة دائماً إلى ما هو أحسن بالنسبة لنوع المجتمع وظروفه ومثله العليا.
ولقد فهم كثيرون فلسفة ديوي هذه فهماً خاطئاً. إذ توهموا أن معنى هذا هو التحلل من البرامج والمناهج التربوية. ولكن ديوي كان ينص دائما على أن عملية النمو التي يقصدها ليست نمواً لا ضابط له. بل هي عملية نمو موجهة ومرغوب فيها هذا أنه لا ينكر المنهج بل غاية ما يشترطه فيه هو أن يكون مرناً ملائما المجتمع، منتظماً لمختلف أوجه النشاط التي تمكن الصغار من اكتساب خبرات جديدة في أطوار النمو المختلفة.
ثم إنه على أساس هذه الفكرة التربوية أقلع نهائياً في مدارس الأحداث الأوربية عن طريقة التلقين القديمة. ورسمت الطرق الحديثة في التدريس كطريقة المشروع وطريقة المشاكل وغيرهما. ويعتبر (وليم كلباتريك) و (جون ستيفنسون) اللذان يذكران إذا ذكرت هذه الطرق من تلاميذ ديوي الذين تلقوا عنه في مدرسته أفكاره الرئيسية التي بنوا عليها فلسفاتهم فيما بعد.