يطيب للمسلمين في ذكرى مولد الرسول أن يذكروا روائع أحداث الجهاد الأولى التي صاحب الدعوة للإسلام والمقرونة بآيات من العبقرية أو التضحية أو البطولة. ولعل حياة أبي دجانة البطل الفدائي من أخلد هذه الروائع وأبعدها أثراً في القلوب والنفوس.
وعلى أن تاريخ الجهاد الإسلامي ملئ بالبطولات الفذة والتضحيات العظمى والمواقف النبيلة، فإنني أشهد أن حياة أبيدجانة كانت من أعظم ما استهواني وملأ نفسي وقلبي روعة وتمجيدا لهذا البطل الذي اعتقد جازما - إن حقا أو غيره - أن التاريخ قد ظلمه وهضمه إلى درجة تكاد تكون دينهم، والذي لولاه ولولا فدائيته وبطولته لما تمت رسالة. ولرب قائل يقول: وكيف لأبي دجانة هذا أن يحفظ ذلك الدين العظيم ويكون سببا في إتمام رسالة الإسلام.؟ ولرب قائل يقول: وكيف لأبي دجانة هذا شريكا أكان أبودجانة هذا شريكا للرسول في نلقى تعاليم الدين؟ أكان ينزل عليه كما ينزل على الرسول؟ أكان الأمين الأوحد والنائب المفرد للرسول يؤثره بأسرار الدعوة ويأتمنه عليها؟
والواقع أن أبا دجانة كان مسلما من عامة المسلمين تفتح قلبه للدعوة الإسلامية وأشربت نفسه حبها، وتعلقت روحه بأهدابها. كان أنصاريا من أهل يثرب لي دعوة الحق ودخل في الدين بعد يقين صادق وأيما نعميق، وأحب الرسول حبا لا يوصف لفرط صدقه وشدته وإخلاصه. وهو قبل ذلك وبعد ذلك فارس بارع، خفيف الحركة، سريع الوثبة، يجيد المبارزة واللعب بالسيف والخنجر كما يجيد فنون الحرب الأخرى التي عرفها العرب آنذاك. وحين قرر النبي صلوات الله عليه. العمل على نشر الدعوة بقوة السيف ومقابلة عدوان جاحديها بمثله، كان أبودجانة من المسلمين نقص
ألفاً من الجنود تخذل من المنافقين والضعفاء ما يقرب من ثلثهم.
وينظم النبي جنوده ويجعل منهم رماة يحملون مؤخرة الجيش ويجعل مكانهم على الجبل ويقول لهم:(قوموا على مصافكم هذه، انضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا قد هزمنا القوم وظهرنا عليهم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم). ثم يلتفت القائد الأعظم والزعيم المقدس إلى الآخرين يبثهم روح