(صحب الشاعر في إحدى رحلاته أحد الرعاة فأوحت إليه هذه الصحبة روائع من الشعر. هذه القصيدة إحداها. ويعد شعره نموذجاً للإبداع والرقة والرشاقة الجذابة والعواطف المتأججة، ولم يكن شاعراً فحسب، بل كان عالماً فاضلاً متقناً لعدة لغات (العبرية واللاتينية والأسبانية وغيرها) وقد ولد في ١٨٩٨ بمدينة (ريكانتي) ومات في نابولي ١٩٣٩م).
. . . أيها القمر ما عملك في السماء؟ خبرني ماذا تعمل أيها الوحيد الصامت؟ إنك تظهر ليلاً وتسير مشاهداً البوادي ثم تختفي
ما حل بك التعب من مرورك دوماً في هذا الفضاء الخالد؟ ألم يعترك الضجر والملل؟ ألا زلت ترغب في مشاهدة هذه الوديان؟
ما أشبه حياة الرعاة بحياتك! إنهم يستيقظون في تباشير السحر يسوقون أغنامهم إلى الحقول، فيرون أمامهم قطعاناً ومروجاً واسعة وعيوناً نابعة. . . فإذا ما حل بهم التعب من الطواف طول النهار، ناموا في المساء ولا أمل لهم غير الراحة.
ليت شعري ما الفائدة من عبورنا السريع لهذه الحياة، وما الغرض من مسيرك المتواصل دائماً؟
ها أنت ذا ترى الواحد من الرعاة شيخاً مسكيناً معُهاً يكاد ثوبه البالي لا يستر بعض جسمه، حافي القدمين، مشعث الشعر، يحمل على عاتقه عبئاً ثقيلاً لا يفارقه. . . فهو تارة يتسلق الجبال العالية وطوراً تسوخ قدماه في الرمال، يخترق الخمائل الملفتة ويسير في العواصف الهوجاء، يقاسي قر البرد وهجير الحر، يواصل جريه فلا يعوقه مستنقع يخوضه ولا صخرة يتسلقها. تراه يكبو ثم ينهض فيسرع في جريه دون توقف ليستريح ولو تمزق جسمه وانبثقت منه الدماء إلى أن يبلغ نهاية الطريق التي حددها له النصب والعناء، وهناك تتلقفه هاوية سحيقة يهوى فيها، فينسى كل ما لقيه من هم وبلاء. هذا مثل الحياة الفانية أيها البدر المنير