أيها المتفرد في عليائه؛ يولد الإنسان بالتعب والعناء، فيكون عرضة للعرض، ثم طعمة للموت. يحس أول حياته الألم والشقاء، فيبدأ أبواه يعزبانه عن ميلاده من يوم أن يوجد في المهد، فإذا نما وترعرع شرعا في مساعدته حتى يكبر، فيبذلان جهدهما في إعداده لما ينتظره من هموم الحياة، بالأقوال والأفعال، فإذا أصبح رجلاً تركاه ليحمل نصيبه من أعباء الحياة.
أخبرني لماذا نولد ونوهب الحياة ما دمنا سنسلَبُها؟ وما دام الوجود هما وشفاء فلماذا نعمل على تقوية دعائمه؟ هذه حالنا نحن الفانين. . .
أما أنت أيها القمر فلست عرضة للموت، لذلك لا تحفل بما أفضيت لك به.
أيها الساري في الليل! ربما تعلم سر الحياة وسر ما ينتابنا من آلام وما تذرف من دموع. ربما تعرف سر الموت، وشدة شحوب ألوان وجوهما عندما تودع الحياة، والحزن الذي يلم بنا عند مفارقة خلان أوفياء ومحبين أمناء.
إنك لتعلم علة الأشياء وتعرف فائدة الصباح والمساء ومسير الزمن الذي لا نهاية له.
أنت الذي تدرك سر تبسم الزهر في الربيع وذبوله في الخريف، وما فائدة الصيف المحرق والشتاء القارس. إنك تعرف آلافاً من الأسرار وتكشف فيها عن أشياء لا تخطر لنا على بال.
إنني حينما أراك صامتاً محلقاً فوق السهول المقفرة والجبال العالية، وكلما أراك تتبعني أينما سرت خطوة خطوة، وكلما نظرت الكواكب تتلألأ في السماء، أقول وأنا سابح في بحار من التفكير لم هذا الضوء الساطع والنور الكثير؟ وما معنى هذه الوحدة العظيمة! ومن أكون أنا؟
هذا ما يجول فيهفكري. . . أما المقام العظيم الذي لا تقاس مدته، والكائنات التي اختلفت أنواعها وتعددت فضائلها. . . والنشاط المستمر والحركات المتعددة التي تصدر عن الأجرام السماوية والأجسام الأرضية، تدور بغير توقف وتسير بلا انقطاع ثم إلى مصدرها الأول، فلا أستطيع أن أفهم أي غرض لها، ولا أية فائدة تقوم بها.
أما أنت أيها المختال بشبابه، المدل بجماله، فإنك لا تجهل منها شيئاً. وأما أنا فجل ما يصل إليه علمي، أن هذه الحركة المستمرة والدوران الدائم ووجدي الواهي، ربما كان فيهما خير