طالعت والغبطة تفعم قلبي المرسوم الصادر بترجمة معاني القرآن الكريم استناداً إلى الفتوى الشرعية المقدمة من هيئة كبار العلماء، إذ يبدأ العمل بمقتضاها قريباً في هذا المشروع الخطير الذي يعد أول حادث له قيمته في تاريخ الإسلام
لقد ترجم مسيحيو القرون الوسطى كتاب الله الكريم إلى عدة لغات أوربية. وكانت أول ترجمة، على ما أعرف، هي تلك التي قام بها كلوني إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر. ثم أقبلت طائفة من القسس الرهبان على نقله إلى بقية اللغات الحية، حتى أن بعض الأمم الصغيرة ساهمت في هذا العمل، ولا تزال تفتخر بوجود نسخ من هذه التراجم البدائية في متاحفها. وتوجد في اللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية عشرات التراجم، القديمة والحديثة، بحيث يمكن للمرء أن يختار منها ما يوافقه. على أن معظم هذه التراجم تكاد تكون حرفية لآيات الذكر الحكيم، برغم حرص القائمين بترجمتها على وضعها في قالب صحيح يتفق والمعنى الذي أنزلت به، لأنه من العلوم أن فصاحة القرآن وبلاغته أمران لا سبيل إلى إنكارهما. وهذا لعمري مما حارت فيه عقول العلماء والفلاسفة واللغويين. ولو سلمنا جدلاً بأن معظم هذه التراجم خال من الأخطاء - وهذا ما لا يمكن الجزم بصحته - فالتفسير لا يكون مؤدياً تماماً لنصوص الذكر الحكيم. ومن المتيسر أن يصل المترجم إلى الأصل الذي يخلع على كتاب الله جلالة وروعة. فمعجزة القرآن في أسلوبه وبلاغته، مما لا يجعل الأجانب يفقهون معناه أو يشعرون بلذة عند تلاوته، نظراً لأن بعض المترجمين أطلقوا لأنفسهم العنان في ترجمته
ويلوح لي أن هذه التراجم أشبه ما تكون بالصور القاتمة التي تمثل الطبيعة الحية، فالنشوة الروحية العميقة التي يحس بها المسلم لدى تلاوة القرآن، يكاد أمرها يكون معدوماً لدى طائفة من الإفرنج وهم يطالعونه في لغاتهم. فمن هذه الناحية نرى أن القرآن الكريم غير قابل للترجمة، ولا يمكن أن يصل كاتب مهما بلغت عبقريته إلى مثل هذا السمو. والتاريخ على ما فيه من الحوادث الجسام والعظات البالغات، كذلك الفن في أنبل وأسمى معانيه، لا