يمكن مقارنة أحدهما بآية واحدة من آيات المنزل الحكيم
وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو كلام الله القديم الأزلي؛ وهو معجزة ليس من السهل تفسيرها في ضوء الحوادث، أو شرحها بمنطق التدليل، والمفروض أن الإنسان يؤمن به حسب نزوله
إن فلسفة التاريخ بمناهجها الصحيحة، حاولت عبثاً أن تحلل تفاصيله وتواريخه وترده إلى أصوله، ولكنها برغم الجهود الجاهدة التي بذلتها أجبرت على الخضوع لأحكامه، ورضيت من الغنيمة بالإياب، وأيقنت أنه أمر ليس في طاقة البشر أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ففي وسط ظلام الإنسانية الحالك، انبثق ذلك القبس الإلهي، وأضاء الكون ليمهد للإنسانية طريق الهداية والرشد. مما أدى إلى وضع الأصول الاجتماعية والقوانين والشرائع وتحديد علاقة الناس بعضهم ببعض. بل أصبح القرآن قاعدة موطدة لثقافات علمية واسعة النطاق، وحلقة كونية لم يظهر لها نظير في كل أحقاب التاريخ
ولقد كان طبيعياً أن يكون القرآن باعثاً على خلق الوحدة العربية والاخوة الإسلامية، سواء في اللغة أو في الفكر والعاطفة، وبتأثيره امتدت حضارة الإسلام من قلب الجزيرة العربية إلى أطراف العالم؛ وكان امتداد هذه الحضارة مما لم تشهده مدينة من المدنيات الإنسانية العظيمة الأخرى. فإقامة الصلاة يرن صداها اليوم من مراكش إلى اليابان حول قارات ثلاث. كذلك كان القرآن سبباً في أحكام رابطة الوحدة بين ثلاثمائة مليون مسلم، سلاحهم التقوى ومخافة الله، ودينهم مستمد من القانون السماوي المقدس الذي رفعهم إلى السمو الروحي. ولقد طغى القرآن على الفوارق المادية التي بين المسلمين، حتى أصبحوا بفضله إخواناً، وأزال البغضاء والنقائص من نفوسهم، ونفى عن قلوبهم الأدران والعوامل الشعوبية واللغوية والجغرافية حتى صاروا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً
إن تفشي النزعة المادية كان من أقوى البواعث لزعزعة العقائد الدينية في عالم الغرب. وهذه الظاهرة بدت ماثلة قوية في القارة الأوربية عند ما حاولت أن تشيد لها صرحا فوق أنقاض الدولة الرومانية، هنالك بدأت حركة الإصلاح التي قام بها مارتن لوثر، وكان من أقوى عواملها ترجمة الإنجيل، فكانت ترجمة هذا الكتاب المقدس سبباً في تقدم الحضارة الجرمانية، وسبيلاً إلى إدماج لهجات ولغات متباينة بعضها في بعض، حتى غدت منها لغة