عندما نعمد في المساء إلى ترتيب ثيابنا، وفي الصباح إلى إخراج كتاب يُلازمنا طيلة اليوم، فالثياب أو الكتب مكونة مما نسميه مادة، كذلك الخزانة أو المكتبة اللذان يحتويانهما مكون كل منهما من مادة هي الخشب أو الكروم الذي تعمل منه الحلية في وقتنا الحاضر.
وتُزَّيَن حجرة استقبالنا بستائر مزدوجة من النسيج الشفاف ونحلي حوائط الحجرة ببعض الصور الفنية، فهذه الستائر وهذه الصور مظهر آخر من مظاهر المادة.
وتصلنا في الأعياد هدية من صديق حميم - تحفه جميلة أو كتاب قيم - هذه آنية من صنع سيفر، وهذا سِفْرٌ هو آخر نتاج (دي بروي) أو (برجسون) وموقع عليه بإمضائه. فالآنية والكتاب والتوقيع مظاهر مختلفة من المادة لكل منها وزنها الخاص وكتلتها المعينة، وهي بهذا مرتبطة بعلاقة معروفة مع الأرض التي نعيش عليها، فهي تجذبها بدرجات مختلفة تتناسب على قدر ما تحويه كل منها من مادة.
ونشعر في القيظ بمسيس الحاجة إلى كوب من الشراب البارد لنطفئ ظمأنا، فإن ما نجرعه من مياه، وما يحويه الماء من عصير الفاكهة، كله مظاهر للمادة، كانت لازمة لبقاء نشاطنا في هذه الفترة من العمل.
ونسوق عربة من طراز جديد هي قطعة رائعة من بدائع ما وصلت إليه مصانع أمريكا النائية، نقلتها إلى بلادنا بواخر ضخمة حملتها أمواج متلاطمة، فالسيارة والباخرة والمياه مظاهر متباينة للمادة.
وتجلس آنسة فتانة أمام المرآة تتزين (ببدرة) ناعمة، لعبيرها على النفس أحلى الأثر، وتتحلى بخضاب أحمر وكحل أسود، لهما على العين فتنة للنظر، هذه (البدرة) وهذه الألوان مظاهر أخرى للمادة.
ونلج حديقة المنزل فنتجول بين الزهور في أصفى أيام الربيع ونتنسم عبيرها المتطاير: هذه الزهور الساحرة، وهذا العبير الشجي الذي يخف لحاسة الشم فينا متواصلاً، هما مظهران من مظاهر المادة.